كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

القول الرابع: الوقف، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو الخطاب، ويبدو أن سببه تعارض الأدلة.
والراجح هو القول الثاني، وهو حمله على الندب.
وما ذكره أصحاب القول بالوجوب لا دلالة فيه؛ فالأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أمر مطلق فلا يدل على اتباعه في كل فعل، وامتثال المطلق يتحقق بالاتباع فيما عرفنا أنه واجب. وفعل الصحابة لا دليل فيه على أنهم اعتقدوا الوجوب، بل يحتمل أنهم فعلوه على الندب، وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور٦٣] ظاهره المخالفة فيما أمر به أمر إيجاب، وكلامنا في الفعل المجرد عن الأمر.
وأما حديث أبي سعيد فهو دليل على عدم الوجوب لمجرد الفعل؛ حيث سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب خلع نعالهم سؤال إنكار، ولو كان فعله يقتضي الوجوب لما أنكر عليهم.
وأما القائلون بحمله على الإباحة فيرد عليهم بأن ما يغلب على الظن كونه قربة لا يمكن حمله على الإباحة، وقولهم إن الرسول مأمور بالبلاغ يجاب بأن المندوب يكفي في تبليغه فعل الرسول إياه، بخلاف الواجب.
وأما الوقف فمرده لتعارض الأدلة، وقد بينت رجحانَ أدلة القول الثاني.
وقد حمل بعض العلماء القول بالوجوب على أن المراد بالوجوب وجوب التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم، فما فعله الرسول على جهة الوجوب عليه فهو واجب على غيره، وما فعله على جهة الاستحباب فهو مستحب لغيره، وهذا تأويل حسن يتفق مع صنيع الفقهاء في تفريعاتهم.

الصفحة 123