كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

وهو باطل فكيف لا يمكن نقل الاتفاق على الحق. ولكن إذا نظرنا إلى واقع الإجماعات المنقولة في كتب أهل العلم نجد أن أكثرها غير صحيح وإنما اعتمد ناقله على أنه لم يعلم مخالفا في هذه المسألة أو اكتفى بالمنقول عن الأئمة الأربعة، أو اكتفى بنقل واحد لم ينقل عن معاصريه بل عمن لم يعاصرهم، مما يدل على أنه معتمد على الشهرة بين أهل العلم، وربما اعتمد في نقل الإجماع على قيام الدليل القاطع الذي لا يمكن أن يخالفه أحد من العلماء. ولا شك أن هذا الطريق في نقل الإجماع لا يورث القطع بل غايته الظن بعدم وجود مخالف.
وأما من اعتمد في نقل الإجماع على قيام الدليل القاطع فإن الحجة حينئذ تكون في الدليل القاطع، والإجماع فائدته دفع ما يتوهم من التأويل. ولا يقال بناء على هذا تكون فائدة الإجماع ضعيفة؛ لأننا نقول بل الإجماع دليل مهم فكثير من آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لو جردنا النظر إليها عما فهمه منها الصحابة والتابعون لما قطعنا بمقتضاها، ولأمكن حملها على احتمالات كثيرة، ولكن لما عرفنا اتفاق الصحابة والتابعين ومن بعدهم على تفسيرها لم يجز لنا أن نتأولها على خلافه.
فهذه الأدلة لو خلت عن الإجماع لكانت ظنية، لكنها معه صارت قطعية. مثال ذلك: أن قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء١٢]. لو لم يتفق الصحابة على أن المراد بالأخ والأخت هنا الإخوة لأم لكانت معارضة لآية: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء١٧٦].

الصفحة 129