كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

الميراث للجد، والإخوة محجوبون، والقدر المشترك بين القولين أن الجد لا يمكن أن يحرم من الإرث حينئذ، فلو قال المتأخر: الميراث للإخوة والجد يحجب بهم لكان قوله باطلا مخالفا للإجماع.
ومثلوا للقول المحدث الذي لا يرفع ما اتفق عليه القولان السابقان بما إذا اختلف المتقدمون في العيوب هل يفسخ بها النكاح، فقال بعضهم: لا يفسخ النكاح بالعيوب، وقال بعضهم يفسخ بها، فلو ذهب ذاهب بعد عصرهم إلى أن بعض العيوب يفسخ بها دون بعض لما كان قوله مخالفا للإجماع.
وكذلك مثلوه بالخلاف في متروك التسمية، فلو اختلفوا على قولين: أحدهما بتحريمه والآخر بحله، ثم جاء المتأخر وفرق بين متروك التسمية عمدا ومتروك التسمية سهوا؛ فحرم الأول دون الآخر، لما عد قوله مخالفا للإجماع.
والذي يظهر لي أن قول القائلين إن اختلافهم على قولين إجماع على المنع من إحداث قول ثالث ليس بأولى من قول الآخرين: اختلافهم على قولين تسويغ للخلاف في المسألة وإقرار لكونها اجتهادية لا قطعية، ولهذا فلا يعد اختلافهم على قولين إجماعا على المنع من إحداث قول جديد، والمسائل التي اختلف فيها السابقون على قولين وفصل فيها المتأخرون أكثر من أن تحصى. والعصمة إنما ثبتت للأمة بشرط الاتفاق، أما مع الاختلاف فلم تثبت لهم العصمة، بل ربما أخطأ كل منهم في بعض ما قال وأصاب في بعضه الآخر فلا يمتنع أن يكون القول بالتفصيل هو الصواب.
والأحاديث التي استدل بها من جعل إحداث القول الثالث مخالفا للإجماع، كحديث: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق» وما في معناه، لا دليل فيها على الدعوى؛ لأن المراد بالحديث ليس العصمة من الخطأ في كل مسألة وإن صغرت، وإنما المراد بقاء طائفة من المسلمين على الدين الحق، ووقوع الخطأ منهم في

الصفحة 133