كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

مسألة جزئية لا ينفي كونهم على الحق؛ إذ لو لزم من الخطأ مجانبتهم الحق لما سلم من ذلك أحد، ولو سلمنا أن هذا مراد الحديث فإن خطأ الطوائف التي نقلت أقوالهم في هذه المسألة لا يمنع وجود طائفة قالت بالقول الحق فيها وإن لم يصل إلينا قولهم، ثم إن الحديث ليس فيه أنهم يعلنون قولهم، بل فيه أنهم على الحق، أي: في عملهم وسيرتهم.

أهل الإجماع (الذين ينعقد بهم الإجماع):
يعتد في الإجماع بالعلماء المجتهدين بغض النظر عن سنهم وطبقتهم وبلادهم، فلا ينعقد الإجماع إلا باتفاق علماء العصر المجتهدين وقت النظر في النازلة.
والدليل على ذلك: أن الآية التي هي مستند الإجماع تدل على أن اللوم يحصل بترك سبيل المؤمنين، وإذا اختلف المؤمنون لم يصح أن يسمى ما قاله الأكثر سبيل المؤمنين، بل سبيل بعض المؤمنين. ولو أخذ بظاهر الآية لاعتد بالعوام، ولكن لما كان العوام مأمورين باتباع العلماء لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل٤٣]. أصبح المعتد بقولهم العلماء المجتهدين.
وينبني على ما تقدم أن التابعي إذا بلغ درجة الاجتهاد في حياة الصحابة، يعتد بقوله في المسائل التي لم يقم عليها إجماع قبل بلوغه درجة الاجتهاد، فلو خالف التابعي المعاصرين له من الصحابة لم يعد مخالفا للإجماع إذ لا إجماع حينئذ.
وينبني على ذلك أيضا أن من حصَّل بعض العلوم التي لا بد منها لبلوغ درجة الاجتهاد دون بعضها لا يعتد بقوله، فالمحدث الذي لا يعرف أصول الفقه وقواعده، والفقيه الحافظ للفروع الذي لا يعرف أحاديث الأحكام، والأصولي

الصفحة 134