كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

بكونه سنة فات محلها، وهو تعليل بعلة ذات وصفين: أحدهما حكم شرعي وهو قولهم سنة؛ إذ المقصود بالسنة هنا المندوب، ويدخل في هذا كثير مما يسمى بقياس الدلالة، كقولهم في الذمي: صح طلاقه فيصح ظهاره، فعلة صحة الظهار هنا هي صحة الطلاق. وكقولهم في المحرمات: حرم أكله فيحرم بيعه، أو حرم أخذه فحرم إعطاؤه، ونحو ذلك.
والصحيح من هذه الأقيسة يرجع إلى قياس الدلالة الذي يكون الجمع فيه بين الأصل والفرع بدليل العلة.
مثال التعليل بعلة مركبة من وصفين فأكثر: قولهم في علة القصاص: إنها القتل عمدا عدوانا، فهي مركبة من ثلاثة أوصاف، وفي علة قطع يد السارق: إنها سرقة نصاب من حرز مثله. وقولهم في قياس الوضوء على التيمم في وجوب النية: طهارة حكمية فوجبت لها النية كالتيمم.
مثال التعليل بالاسم المجرد: قولهم في تعليل جواز التيمم بالجبس: تراب فيصح التيمم به كسائر ما يطلق عليه الاسم. وكقولهم في الرماد: ليس بتراب فلا يصح التيمم به، فهذا تعليل بنفي الاسم المجرد.
مثال التعليل بالوصف العدمي: قولهم: عدم الملك علة لوجود حرمة الانتفاع، وعدم الطهارة علة لبطلان الصلاة، ويدخل في هذا، التعليلُ بعدم الشرط.
والظاهر لي أن الوصف العدمي لا يصلح أن يكون علة في القياس لإثبات حكم وجودي، والذين استدلوا على جواز تعليل الوجودي بالعدمي قصدوا التعليل المجرد الذي لا يرجع إلى قياس فرع على أصل.
وأما تعليل العدم بالعدم، والعدم بالوجود، فجائز بلا خلاف يعتد به.

الصفحة 158