كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

ظاهره لا يصح وإنما هو من باب التسامح في العبارة؛ إذ لم يقل أحد إن الأمر المطلق يجب التريث فيه وعدم المبادرة إلى امتثاله، وإنما خلافهم في أنه هل يجوز التراخي فيه؟ أما المبادرة فلا يختلفون في جوازها وفضلها، ولهذا فلا يصح التفريق بين قول الرازي ومن تبعه إن الأمر للقدر المشترك بين الفور والتراخي، وقول من قال: إن الأمر المطلق يحمل على التراخي، كابن السمعاني والإسفراييني وابن برهان (١)، ولهذا قال ابن السمعاني: «واعلم أن قولنا: إنه على التراخي، ليس معناه أنه يؤخر عن أول أوقات الفعل، لكن معناه أنه ليس على التعجيل» (٢).
أدلة هذا القول:
١ - أن الزمان كالمكان، فكلاهما ظرف للفعل المأمور به، فكما أن الأمر لا دلالة فيه على مكان الفعل باتفاق، فكذلك ينبغي أن يقال لا دلالة فيه على زمانه.
٢ - أن الأمر يرد للفور حينا ولجواز التراخي حينا آخر، فلا بد من جعله حقيقة في القدر المشترك وإلا لزم المجاز أو الاشتراك، وكلاهما خلاف الأصل.
ولو أردنا إيضاح هذا الدليل أكثر لقلنا: إن الأمر يرد مرادا به الفور كما في الأمر بإنقاذ الغريق فإنه لا يحتمل التأخير، ويرد مرادا به جواز التراخي كما في الأمر بجهاد الطلب، ولو قلنا إنه للفور لزم أن يكون استعماله في غيره مجازا أو
---------------
(١) البحر المحيط ٢/ ٣٩٨.
(٢) القواطع ١/ ١٣٠، ونقل الزركشي نحو ذلك عن جماعة من المحققين. انظر: البحر المحيط ٢/ ٣٩٩ - ٤٠٠.

الصفحة 228