كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

من باب الاشتراك اللفظي، والمجاز والاشتراك كلاهما خلاف الأصل ولا يلجأ إلى حمل الكلام عليهما إلا عند عدم إمكان حمله على الحقيقة، وهنا يمكن أن يحمل على الحقيقة فنقول: الأمر لمجرد طلب الفعل من غير التفات إلى وقته، فيكون المكلف مطالبا بإيجاده في أي وقت، ويكون تحديد الوقت من دليل آخر.
والراجح ـ والله أعلم ـ أن الأمر المطلق يحمل على الفور.
وقول المخالف: إن الزمان كالمكان مردود؛ فإن الزمان الأول تتعلق به فوائد ربما لا تحصل في الزمان الثاني، فالمبادرة إلى الفعل يحصل بها براءة الذمة والخروج من العهدة، والتأخير ربما ترتب عليه تفويت الفعل؛ لما قلناه من أنه لا دليل على تحديد حد معين للتأخير، وما ذكروه من تحديد لا يصح.
وأما قولهم: إن الأمر يرد للفور حينا ولجواز التراخي حينا الخ. فيجاب بأن الخلاف في الخالي من القرينة الدالة على التوقيت، وقد أقمنا الدلالة على وجوب المبادرة إليه.
وقد اعترض الرازي على أدلة القائلين بالفور باعتراض كرره في كتابه وقال: إنه يرد على أكثر أدلتهم وهو أنها تنتقض بما لو قال الآمر: افعل في أي وقت شئت.
وقد تأملت هذا الاعتراض فوجدته ضعيفا؛ حيث لم يوجد في نصوص الشرع مثال له وإنما هو افتراض محض، ولكنه قد يقع من السيد لعبده، والسيد ليس مبرأ من التناقض ولا من الظلم والاعتداء، فقد يعاقب عبده من غير أن يستحق العقوبة، ثم إن حصول هذا الأمر من السيد لعبده لا يخلو عن قرينة تبين الحد الأقصى للتأخير، كما أن العبد متمكن من سؤال سيده عن ذلك، وهذا بخلاف ما نحن فيه من الكلام عن أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الصفحة 229