كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

أ ـ ... قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر»، ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الصائم المتطوع مخيرا بين الصيام والفطر، وإذا كان الصيام المندوب لا يجب بالشروع فيه فكذلك سائر المندوبات، إلا ما قام عليه دليل بخصوصه كالحج.
ب ـ ... أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسأل أهله: «أعندكم طعام؟» فإن قالوا نعم أكل منه، وإلا قال: «إني إذا صائم» (أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عائشة). ووجه الاستدلال أنه يكون ناويا الصوم، ثم إن وجد طعاما أكل وإلا أكمل صيامه.
ج ـ ... أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل الذي كان صائما أن يفطر كما مر في الحديث الذي استدل به للحنفية. ووجه دلالته على عدم الوجوب أنه لو كان إتمامه واجبا لما أمره بالفطر؛ لأنه يكون آمرا بمعصية، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر بمعصية.
وقول الجمهور أرجح.
وأما الاستدلال بالآية فالمقصود بها إبطال الأعمال بالرياء أو بالردة.
وأما الحديث فهو دليل للجمهور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز للصائم المتطوع أن يفطر، وقوله: «صم يوماً مكانه» ندب؛ لأنه عوض عن ندب.
وأما تشبيه الشروع بالنذر فبعيد جدا، وإلا لوجب على من شرع في الإنفاق على فقير أن يستمر، ولم يقل بذلك أحد.
وأما القياس على الحج والعمرة فمردود؛ للفرق بينهما وبين سائر الواجبات.
وثمرة الخلاف تظهر في إيجاب القضاء، فعند أبي حنيفة إذا شرع في نفل ثم قطعه وجب عليه القضاء، وعند الجمهور لا يجب.

الصفحة 47