كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

وساق الآمدي هذا الدليل بوجه آخر فقال: إن الله أخبر أن أبا لهب من أهل النار، بقوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد ٣]، ومع ذلك أمره بالإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ومما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هذه الآية التي تدل علىعدم إيمانه، فيكون قد أمر أن يؤمن بأنه لن يؤمن، وهذا محال.
والجواب من وجهين:
أـ أن هذا ليس تكليفا بالمحال؛ لأن إيمان أبي لهب لم يكن محالا في حياته؛ إذ لم يحل بينه وبين الإيمان حائل، وإنما منعه كبره وعناده، ومرادنا بالمحال المستحيل عقلا أو عادة.
ب ـ أن الآية ليس فيها نص على أنه لن يؤمن، بل فيها أنه سيصلى النار، وقد يدخل النار المؤمن لتمحص ذنوبه ثم يخرج منها كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم ٧١ - ٧٢].
وقد نسب الآمدي وغيره إلى أبي الحسن الأشعري القول بأن التكاليف الشرعية كلها مما لا يطاق تفريعا على قوله بأن أفعال العباد مخلوقة والله خالقها، وقوله: إن القدرة على الفعل لا تتقدم الفعل.
والصحيح أنه لا يلزم على القول بأن أفعال العباد مخلوقة لله أن تكون التكاليف الشرعية مما لا يطاق؛ لأن القول بخلق الأفعال لا يناقض القول بأن العبد هو الفاعل لفعله حقيقة، فإذا أثيب أو عوقب فإنما يثاب ويعاقب على فعله. وأما قوله بعدم تقدم القدرة على الفعل فغير مسلم، والكلام فيه ليس من غرض الأصولي والفقيه، ومحله علم الكلام.

الصفحة 78