كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

وأما أفعاله، فإذا كانت عبادات، فهي لغو لا أثر لها، وإن كان فيها ضرر بالغير فهو لا يؤاخذ عليها في الآخرة، وأما في الدنيا فعليه ضمانها إن ترتب عليها ضمان، فلو أتلف مالا أو قتل قتيلا فلا إثم عليه ولا قصاص ولكن الضمان يثبت في ماله أو على عاقلته؛ لأن الضمان ليس مشروطا بالتكليف.
وأما الترك فإنه لا يؤاخذ عليه فيما يتعلق بحقوق الله، فلا يطلب منه القضاء لو أفاق من جنونه إلا إذا كانت العبادة لم يذهب وقتها. وهذا مذهب الجمهور.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لو أفاق في آخر اليوم لزمه قضاء صلوات ذلك اليوم. وذهب محمد بن الحسن إلى أنه إذا مرت عليه الصلاة السادسة ولم يفق سقط عنه صلوات اليوم السابق، وإلا قضاها.
٢ - النسيان:
وهو ذهول القلب عن الشيء مع سبق العلم به.
والنسيان عذر يمنع المؤاخذة الأخروية لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان» (أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعا).
وأما أفعال الناسي وأقواله وتركه فهي لغو لا يعتد بها ولا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، ولكن إذا فعل ما يبطل العبادة ناسيا فقال بعض العلماء: لا تبطل عبادته، وقال بعضهم: تبطل، لأن المبطلات أسباب للبطلان فلا يشترط لها التكليف؛ لأنها من أحكام الوضع، وقال الحنفية بالتفريق بين العبادة التي هيئتها تذكر بها كالصلاة، والعبادة التي ليس لها هيئة خاصة تذكر المتلبس بها كالصوم، فالأولى لا يعذر بالنسيان فيها، والثانية يعذر فيها بالنسيان، كما أنه إذا فعل ما يضر بالآخرين ناسيا ترتب عليه الضمان لإهماله، وأما المؤاخذة الأخروية فهي ساقطة عنه، وأما الحد والتعزير فيسقطان عنه إذا قام على دعوى

الصفحة 82