كتاب أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله

رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار» (أخرجه مسلم بلفظ قريب من هذا عن أبي هريرة مرفوعا) فمجرد السماع بمحمد صلى الله عليه وسلم وبعثته ورسالته يوجب على العاقل التفكر فيما جاء به من الدين، فإذا تفكر فيه اهتدى إلى أنه الحق. وإن أعرض ولم ينظر كان مقصرا ملوما معاقبا على إعراضه وتقصيره.
ب ـ الجهل بما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالجهل بوجوب الصلاة والزكاة، والجهل بحرمة الزنى والربا والظلم، ونحو ذلك. فهذا لا يعذر به أحد ممن عاش بين المسلمين؛ لأنه إما ناشئ عن تقصير وتفريط، وإما أنه دعوى كاذبة فيدعى الجهل وهو يعلم.
ج ـ الجهل في موضع الاجتهاد أو الاشتباه، كالجهل بحرمة بعض أنواع البيوع، وبعض الأحوال العارضة للإنسان في صلاته أو في حجه، ونحو ذلك مما يصعب على عامة الناس الإحاطة به. فهذا النوع يسقط عن الجاهل اللوم والذم، ولكنه يلزم باستدراك ما فعله على غير الصفة الصحيحة إذا أمكن ذلك من غير مشقة خارجة عن المعتاد.
د ـ الجهلُ من حديث العهد بالإسلام أو ممن عاش حياته في البلاد الكافرة بما يعرفه عامة المسلمين في البلاد الإسلامية يعد عذرا مسقطا للمؤاخذة الأخروية، ولكن يلزم الجاهل باستدراك ما فاته إذا أمكن استدراكه، وذلك كالجاهل بوجوب الغسل من الجنابة وتحريم الأخت من الرضاعة ونحو ذلك مما هو معلوم للمسلمين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية ولكن قد يجهله من عاش في البلاد الأخرى.

الصفحة 84