كتاب منع جواز المجاز ط عالم الفوائد
ممنوعة في القرآن بلا نزاع. فمن ذلك ما يسميه علماء البلاغة الرجوع، وهو نوع من أنواع البديع المعنوي، وحدَّه الناظم بقوله:
وَسَمّ نقضَ سابقٍ بلاحقٍ ... لِسِرِّ الرجوع دُونَ ماحِقِ
فإنه بديع المعنى في اللغة عندهم وهو ممنوع في القرآن العظيم؛ لأن نقض السابق فيه باللاحق إنما هو لإظهار المتكلم الوَلَه والحيرة من أمر كالحب مثلًا، ثم يظهر أنه ثاب له عقله وراجع رشده، فينقض كلامه الأول الذي قاله في وقت حيرته غير مطابق للحق، كقول زهير:
قف بالدِّيار التي لِم يُعْفِها القِدَمُ ... بلى وغَيَّرَها الأرواحُ والدِّيَمُ
فقوله: بلى وغيَّرَها إلخ. عندهم ينقض به قوله: "لم يُعْفِها القدم" إظهارًا؛ لأنه قال الكلام الأول من غير شعور، ثم ثاب إليه عقله فرجع إلى الحق، وهذا بليغ جدًّا في إظهار الحب والتأثر عند رؤية دار الحبيب، ولا شك أن مثل هذا لا يجوز في القرآن ضرورة.
ومن الرجوع المذكور قول الشاعر:
أليس قليلًا نظرةٌ إن نظرتُها ... إليك وكَلَّا ليس منك قليلُ
أثبت القلةَ ونفاها إيذانًا بأن إثباته لها أولًا قاله من غير شعور لما خامره من الحب. ومن أمثلته ودهشته من غير الحب قول أبي البيداء:
وَمَا لِيَ انتصارٌ إنْ غَدَا الدَّهرُ جائرًا ... عليَّ، بلى إنْ كانْ مِنْ عِنِدك النَّصر
أثبت ما نفاه من النصر للدلالة على شدة دهشته من نوائب الدهر.
وقصدُنا التمثيل، مع العلم بأن نسبته الجَوْر للدَّهر لا تجوز، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبُّوا الدهر، فإن الله هو الدَّهر".
الصفحة 10
51