كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام - ط عالم الفوائد

وقال الحامظ ابن حجر في فتح الباري في تفسير سورة الحج ما
يفيد ثبوت قصة الغرانيق، وذكر انها ثبتت بثلاثة اسانيد كلها على شرط
الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذلك من
لا يحتج به لاعتضاد لعضها ببعض، واحتج ايضا لأن الطرق إذا كثرت
وتباينت مخارجها دل ذلك على ان لها اصلا، ثم قال: وإذا تقرر ذلك
تعين تأويل ما وقع في القصة مما يستنكر وهو قوله: "القى الشيطان
على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى "، فإن ذلك لا
يجوز حمله على ظاهره؛ لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وعلى اله
وسلم ان يزيد في القران ماليس منه عمدا، وكذا سهوا إذا كان مغايرا
لما جاء به من التوحيد؛ لمكان عصمته صلى الله عليه وعلى اله وسلم.
ثم اخذ - اعني الحافظ ابن حجر - في اجوبة العلماء عن القصة
المذكورة على تقدير ثبوتها، وذكر اجوبة كثيرة، وقد قدمت ان احسنها
ما استحسنه كثير من المحققين من ان الشيطان هو الذي قال: "تلك
الغرانيق العلى " فظن المشركون انها من كلام نبينا صلى الله عليه وعلى
اله وسلم وحاشاه من ذلك، ولذا اقتصرت على هذا الجواب، ولم
اذكر غيره، والله تعالى في كتابه العزيز اسند هذا الإلقاء للشيطان حيث
قال: < لقى ألشطن ف أمندب ->، ونسبته إياه للشيطان تدل على براءة
جناب النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم منه.
قال مقيد هذه الرخلة عفا الله عنه: اعلم ان براءة ساحة خاتم
الرسل واشرفهم وسيد ولد ادم بالاطلاق عليه صلوات الله وسلامه مما
جاء في ظاهر هذه القصة تدل عليها البراهين القاطعة، والادلة الساطعة
127

الصفحة 127