كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام - ط عالم الفوائد

حق يا ابن أبي داؤد؛ لانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان عالما
بها وسكت عنها، ولم يدع لها أحدا، وكذلك خلفاؤه الراشدون، فأنت
يا ابن ابي داؤد يسعك ما وسع النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في
أمته، ووسع خلفاءه الراشدين في رعاياهم، وان كان النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم غير عالمين بها
فكيف يجهلونها وتعرفها أنت يابن أبي داؤد؟! فانقطع ابن أبي داؤد بهذا
"السبر والتقسيم "، وفهم الواثق انه لابد من احد الامرين، وذلك هو
معنى "التقسيم "، وأن ابن أبي داؤد مخطى ب! على كل منهما، وذلك هو
معنى "السبر".
ومثاله في القرآن العظيم: رد الله تعالى تشريع عمرو بن لحي الذي
كان عليه أشياعه من الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
من تحريم البحائر والسوائب والحوامي ونحو ذلك، فانهم كانوا
يحرمون بعض الاناث دون بعض، كالبحيرة والسائبة والوصيلة دون
غيرها مما هو حلال عندهم، ويحرمون بعض الذكور دون بعض
كالحامي دون غيره، فأبطل الله تحريمهم البعض دون البعض بدليل هو
الذي يقال له في الاصطلاح " السبر والتقسيم ".
وا يضاح ذلك أن حاصل ما رد عليهم به هو أن تحريم البعض دون
البعض إما ن يكون معللا، أو تعبدا، ولا واسطة بينهما، وعلى كونه
معللا، فعلة التحريم إما ن تكون الذكورة في المحرم من الذكور،
والأنوثة في المحرم من الاناث، وإما ن تكون التخلق في الرحم في
الجميع، فلو كانت العلة الذكورة لحرم غير الحامي من الذكور؟
176

الصفحة 176