كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام - ط عالم الفوائد

إلى الأزل، فالذي يعد من الطوفان إلى الأزل لا ينتهي عدده قبل الذي
يعد من اليوم إلى الأزل؛ لأن الفرض عدم النهاية، وما لا ينتهي قبل
شيء لا يعقل كونه اقل منه، فثبت ان حوادث لا اول لها يلزمه وجود
المحالط، وما دى إلى المحال فهو محال، مع أن قول الفلاسفة
حوادث لا أول لها كلام متناقض؛ لأن لفظة "حوادث" جمع حادث،
وهو فاعل من الحدوث الذي هو الطروء بعد عدم، وقولهم: " لا أول
لها" نقيض ذلك، فهو بمثابة ما لو قالوا: حوادث لا حوادث. وهو
محال لاستحالة اجتماع النقيضين.
وهذا الكلام كله في استحالة تسلسل تأثير بعض أفراد الهيولى في
بعض، اما بالنطر إلى وجود حوادث لا أول لها بإيجاد الله، فذلك لا
محال فيه، ولا يلزمه محذور؛ لأنها موجودة بقدرة وإرادة من لا أول له
جل وعلا، وهو في كل لحطة من وجوده يحدث ما يشاء كيف يشاء،
فالحكم عليه بأن إحداثه للحوادث له مبدأ يوهم أنه كان قبل ذلك المبدأ
عاجزا عن الإيجاد سبحانه وتعالى عن ذلك.
وا يضاح المقام: أنك لو فرضت تحليل زمن وجود الله في الماضي
إلى الأزل إلى أفراد زمانية أقل من لحظات العين أن تفرض أن ابتداء
إيجاد الحوادث مقترن بلحظة من تلك اللحظات، فإنك إن قلت: هو
مقترن باللحظة الأولى. قلنا: ليس هناك أولى البتة. وإن فرضت اقترانه
بلحظة أخرى، فإن الله موجود قبل تلك اللحظة بجميبع صفات الكمال
والجلال بما لا يتناهى من اللحظات، وهو في كل لحظة يحدث ما شاء
كيف شاء، فالحكم عليه بأن لفعله مبدأ لم يكن فعل قبله شيئا يوهم
20

الصفحة 20