كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام - ط عالم الفوائد

ثم سرنا متوجهين تلقاء قرية "العيود" والعيون التي تسمى بها
القرية عيود متعددة متمجرة من جبال هناك، ويقال لها باللساد
الدارجي: "عيون العتروس " وهو بلسانهم الدارجي " التيس "، ويقال
لها أيضا: " عيون المكفى " بكاف معقودة قبل الفاء.
فوصلناها في ليال قلائل، فقابلنا من فيها من الفضلاء باللائق من
الاكرام والتبجيل، وبالغ في إكرامنا قاضيها، مع هدية سنية، وأخلاق
مدنية، وسألنا عن الكاغد المتعامل به في نواحي البلاد التي تحت أيدي
فرنسا، هل يجوز سلمه في فلوس النحاس المتعامل بها أيضا عندهم
فيئ مذهب الامام مالك رحمه الله تعالى، أم لا؟
فكان جوابنا أن قلنا له: لا يجوز ذلك في مذهب مالك. فطلب منا
دليل المنع، فقلنا له: للمنع ثلاثة أوجه:
الأول: أن فلوس النحاس لا توجد غالبا في الأماكن التي وقع فيها
السؤال، والمسلم فيه يشترط وجوده غالبا عند الحلول في البلد المعين
لقبضه، أو بلد العقد إن لم يعين للقبض محل. قال حليل في
"محتصره " في عدة شروط السلم: "ووجوده عند خلوله ".
الوجه الثاني: أنهم لم يسووا بين العين وبين فلوس النحاس، فلا
يسلم عندهم دينار ولا درهم في فلوس نحاس، مع أن العين بنوعيها
مباينة لفلوس النحاس، فالنسبة التي بين النحاس وبين الذهب أو الفضة
التباين، وهم ذكروا منع سلم أحدهما في الاخر نطرا لاتحاد منفعتهما،
واتحاد المنفعة عندهم موجب لمنع السلم؛ لأن الشيتين المتحدي
المنفعة عندهم في باب السلم كالشيء الواحد، وإن اختلفا بالذات
23

الصفحة 23