كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام - ط عالم الفوائد

فقلت له: هذا الاعتراض تعرض بعض المحققين من المالكية
لدفعه، وذكره المحقق البناني في "حاشيته على شرح عبدالباقي
الزرقاني لمختصر خليل بن إسحاق المالكي رحمه الله " في شرح قوله:
"والمال دون القطع في سرقة "، وسنذكر لك كلام البناني برمته، ثم
نوضح وجه دفع الاعتراض.
ففي البناني في شرح قول حليل: "والمال دون القطع في سرقة"
مانصه: الوالوغي (1): هذه المسألة على خلاف قول الاصوليين: العلة
إذا أوجبت حكمين متساويين لزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر. وهنا
القطع والضمان حكمان للسرقة ثبت أحدهما دون الاخر. وخلاف قول
المنطقيين: إن وجود الملزوم يلزمه وجود لازمه. فيلزم على هذا
وجوب القطع لوجود السرقة.
ويتضح ذلك بذكر فرق ابن المناصف في هذا الباب، وتقرير
السؤال الذي استلزمه فرقه أن يقال: قال في المدونة: "إذا شهد رجل
وامرأتان على السرقة ثبت الضمان وانتفى القطع. ولو شهد رجل
وامرأتان على أداء نجوم الكتابة، أو أن فلانا باع أمته من زوجها، أو باع
عبدا ممن يعتق عليه، صحت الشهادة، ولو ترتب عليها العتق وفسخ
النكاح "، ففي كلا الوصفين شهادة بما يتعلق بالاموال والابدان، والفرق
بينهما ن وجود الضمان لا يستدعي القطع حتى لا يتم إلا به، بخلاف
الكتابة وأخواتها، فكأنه يقول: قول الاصوليين في الاستدلال بثبوت
أحد الموجبين على الموجب الاخر إذا كان بينهما تلازم، أما إذا فقد
(1) اي: وقال الواثوغي. وهو من فقهاء المالكية (ت: 819).
317

الصفحة 317