كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام - ط عالم الفوائد

الغليل في رفع هذا الاشكال، والذي يظهر لنا أن الخيرية تارة تكون
بالتخفيف، وتارة تكون بالتثقيل، فالله جل وعلا ينسخ الأخف بالأثقل
لكثرة الأجر، وينسخ الاثقل بالأخف إذا عسر امتثال الاثقل رحمة
وتخفيفا، كما في قوله: < يرلد لله أن يخفف عنتم) [النساء/ 28]،
وقوله: < يريد دله بى أ ليشرولايرلد بكم ا لع! ر) [البقرة / 85 1].
وايضاحه بمثاله: أن قوله جل وعلا: < وإن تتدوا ما فى أنفس! تم
و تخفوه يحالمصتكم به الله > [البقرة/ 284] لو لم ينسخه الله تعالى
بقوله: < لايكلف لله نفسا إلاوشعها> [البقرة/ 286] لما نجا من ذلك
الحساب أحا؛ لأن ما يخطر في القلوب يعسر التحرز منه جذا، فلو
استمر تكليفنا بما يخطر في قلوبنا لعسر علينا جدا تجنبه ووقعنا في
المعصية لا محالة؛ لعسر اجتناب هذا المنهي، وكذلك اتقاؤه < حى
تقاله-> لو لم ينسخ بقوله: < ما أسمظعتم > [التغابن/ 6 أ] لما قدرنا على
الامتثال. فالتخفيف عنا به خير لنا، إذ لولاه لوقعنا في المعصية لعسر
الاجتناب.
وأما نسخ التخيير بالصوم مثلا، فلكثرة أجر الصوم، فهو خير
لكثرة أجره، وعامة الناس يقدرون على القيام به من غير تعسر مفرط
يكون سببا لانتهاك الحرمة، وإذا وجد سبب التعسر كالسفر والمرض
رفع ذلك التعسر برخصة الافطار.
والتحقيق في حكمة النسخ أن الله جل وعلا ينيط الحكم
والمصالح بالتكليف، فاذا انتهت الحكمة والمصلحة من الخطاب
الأول وصارت في غيره، أمر جل وعلا بترك الاول الذي زالت
32

الصفحة 32