كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام - ط عالم الفوائد

بأنه الناطق تميز عن غيره عندهم. والنطق عندهم القوة المفكرة التي
يقتدر بها على إدراك العلوم والاراء، لا نفس الكلام.
فلو اعترض عليهم بإمكان تعريفه، بكونه ضاحكا او كاتبا؛ لأن
الضحك والكتابة خاصتان من خواصه، فجوابهم انهم يقولون:
الضحك حالة تعرض عند التعج! من امر بعد ان تتفكر فيه القوة
الناطقة، والكتابة نقوش على هيئات معينة لا توجد إلا بتفكير القوة
الناطقة، فالضحك والكتابة فرعان عن النطق، فانحصر عندهم موجب
التعريف بالأصالة في النطق.
والصفة النفسية عندهم جزء من الماهية، ولا تكون ابدا إلا جنسا
أو فصلا؛ لأن جزء الماهية عندهم إما مساو لها في الماصدق، او اعم
منها، فان كان مساويا لها فهو الفصل،! "الناطق " بالنسبة للانسان.
فان الناطق والإنسان متساويان ماصدقا، والناطق جزء من ماهية
الإنسان؛ لأنها مركبة عندهم من حيوان وناطق، وإن كان اعم منها فهو
الجنس، كالحيوان بالنسبة للانسان، لأن الحيوان اعم من الإنسان،
وهو جزء من ماهية الانسان المركب من حيوان وناطق عندهم، فالأعم
جزء من ذات الأخص، والأخص فرد من افراد الأعم، وجزؤها
المساويها عندهم مقوم لها، مقسم لجزئها الذي هو اعم منها.
فالفصل عندهم مقوم للنوع، مقسم للجنس، فالنوع مثلا: هو
الإنسان، والجنس مثلا: هو الحيوان، والفصل مثلا: هو الناطق،
فالناطق مقوم للانسان بمعنى ان حقيقة الإنسانية لا تتقوم إلا بالنطق،
لانه صفتها النفسية التي لا تعقل لدونها عندهم كما تقدم. فالإنسانية
59

الصفحة 59