كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام - ط عالم الفوائد

وأنقذني بياض الصبح منها وقد أنقذت من شيء كبير
وتمثلت قول امرىء القيسل:
كأن الثريا علقت في مصامها بأمراس كتان إلى صم جندل
وصيح تلك الليلة أحب عائب إلينا، فخرجنا من ذلك الضيق أول
النهار وسافرنا وقت الضحى من "اتيه" في السيارات المذكورة قبل
قاصدين قرية اسمها "أم حجر" فوقفت السيارات في أرض كثيرة الطين
والماء، فصار يجتمع على كل واحدة من السيارات إذا ارتطمت في
الوحل قريب من مائة رجل من الراكبين يجرونها بالحبال من وحل
الطين، وكلما نزعوها من ورطة ارتطمت في اخرى، فمكثنا على تلك
الحال في مشقة شديدة من تتابع المطر والبعوض وكثرة الوحل من
الطين والماء أسبوعا، فصار قدر الزمن الذي مكثنا في المسافة بين
"فورلمي" و"أبشه) " ثلاث عشرة ليلة في غاية المشقة والحمى (1)،
فوصلنا قرية "أم حجر" ومنها إلى "أبشه" ولم نصل إحداهما إلا بعد
جهد جهيد كما وصفت.
أما "أم حجر" فلم نمكث فيها ساعة، وأما "أبشه" فبتنا فيها ليلة
واحدة، وكان نزولنا فيها عند رجل اسمه الحاج سعيد محمد، فأنزلنا
في بيت وأحسن إلينا بما يهيأ للضيف من نزول طيب، ثم سافرنا من
الغد قبل وقت القيلولة بقليل، فلما كان اخر النهار دخلنا قرية اسمها
"ادره" في الحدود بين حكومة تشاد الفرنسية، والسودان المصري،
(1) كذا في الاصل المطبوع.
88

الصفحة 88