كتاب المحاضرات - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها، ولم تعارضها مفسدة راجحة أ و
مساوية، و ن جميع المذاهب يتعلق أهلها بالمصالح المرسلة، وإن
زعموا التباعد منهاه ومن تتبع وقائع الصحابة وفروع المذاهب علم
صحة ذلك، ولكن التحقيق: أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب
فيه التحفط وغاية الحذر، حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم
معارضتها لمصلحة أرجح منها و مفسدة أرجح منها و مساوية لها.
وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال.
واعلم أن العمل بالمصالح المرسلة المذكور ليس تشريعا جديدا
خاليا عن دليل أصلا، بل من يعمل بها من العلماء كمالك وغيره يستند
في ذلك إلى أمور.
منها: عمل الصحابة - رضي الله عنهم -بها من غير أن ينكر منهم
أحد، وهم خير أسوة.
ومنها: أنه قد علم من استقراء الشرع الكريم محافظته على
المصالح وعدم إهدارها، ولا سيما إن كانت المصلحة متمحضة لم
تستلزم مفسدة، ولم تعارض مصلحة راجحة، ولم تصادم نصا من
الوحي.
ومنها: أن بعض النصوص قد يدل لذلك كما ذكرنا انفا في
"صحيح مسلم " من أن بعض الصحابة انتهر بريرة لتصدق النبي! م فيما
تعلم عن عائشة وبريرة مسلمة وإيذاء المسلم بالانتهار من غير ذنب
حرام، وقد استباحه بعض الصحابة للمصلحة المرسلة، وهي تخويف
الجارية حتى تقول الحق، ولم ينكر ع! ي! عليهم. هكذا قيل! ولكن
46

الصفحة 46