كتاب تسديد الإصابة فيما شجر بين الصحابة
الجَوْزِيُّ رَحَمِهُ اللهُ بِقَوْلِهِ: «واعْلَمْ أنَّ في ذِكْرِ السِّيَرِ والتَّوَارِيْخِ فَوَائِدَ كَثِيْرَةً؛ أهَمُّهَا فَائِدَتَانِ:
أحَدُهُمَا: أنَّه إنْ ذُكِرَتْ سِيْرَةُ حَازِمٍ، ووُصِفَتْ عَاقِبَةُ حَالِهِ عَلِمْتَ حُسْنَ التَّدْبِيْرِ واسْتِعْمَالَ الحَزْمِ، وإنْ ذُكِرَتْ سِيْرَةُ مُفَرِّطٍ ووُصِفَتْ عَاقِبَتُهُ خِفْتَ مِنْ التَّفرِيْطِ ... ويَتَضَمَّنُ ذَلِكَ شَحْذَ صَوَارِمِ العُقُوْلِ، ويَكُونُ رَوْضَةً لِلْمُتَنَزِّهِ في المَنْقُوْلِ.
الثَّانِيَةُ: أنْ يَطَّلِعَ بِذَلِكَ على عَجَائِبِ الأُمُوْرِ، وتَقَلُّبَاتِ الزَّمَانِ، وتَصَارِيْفِ القَدَرِ، والنَّفْسُ تَجِدُ رَاحَةً بِسَمَاعِ الأخْبَارِ» (¬1).
وبِهَذَا نَعْلَمُ أنَّ بَعْضَ الأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ قَدْ تَبيَّنَتْ مِنْ خِلالِ ما حَصَلَ بَيْنَ الصَّحَابةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم؛ فَمِنْ ذَلِكَ:
أحْكَامُ قِتَالِ أهْلِ البَغْي كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ المُخَالِفِيْنَ، وهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ ومُهِمٌّ؛ ولَوْلا ما حَصَلَ بَيْنَهُم مِنْ قِتَالٍ لمَا عُلِمَ ذَلِكَ، واللهُ أعْلَمُ (¬2).
* * *
¬_________
(¬1) «المُنْتَظَمُ» لابنِ الجَوْزِيِّ (1/ 117).
(¬2) انْظُرْ «مَجْمُوْعَ الفَتَاوَى» لابنِ تَيْمِيَّةَ (4/ 434 وما بَعْدَها).
الصفحة 188