كتاب أمالي ابن الحاجب (اسم الجزء: 1)

إلا كذلك، ألا ترى أنه إذا قال: أن تضل إحداهما فتذكرها الأخرى، وجب أن يكون ضمير المفعول عائداً على الضالة، فيتعين لها. كما إذا قلت: جاءني رجل وضربته، يتعين أن يكون الجائي هو المضروب، وذلك مخل بالمعنى المقصود، لأنها قد تكون الضالة الآن في الشهادة هي الذاكرة يها في زمان آخر، فالمذكرة هي الضالة. فإذا قيل: فتذكرها الأخرى، لم يفد ذلك لتعين عود الضمير إلى الضالة. وإذا قيل: فتذكر إحداهما الأخرى، كان مبهماً في كل لو انعكس الأمر والشهادة بعينها في وقت آخر، اندرج أيضاً تحته لوقوع قوله: فتذكر إحداهما الأخرى، غير معين. ولو قيل: فتذكرها الأخرى، لم يستقم أن يكون مندرجاً تحته إلا التقدير الأول. فعلم أن العلة هي التذكير من إحداهما الأخرى كيف ما قدر، وإن اختلفت. وهذا المعنى لا يفيده إلا ما ذكرناه، فوجب لذلك أن يُقال: فتذكر إحداهما الأخرى. وهذا الوجه الثاني هو الذي يصلح أن يكون جارياً على الوجهين المذكورين أولاً؛ وإنه في التحقيق هو الذي وجب لأجله مجيثهما ظاهرين.
وأما الوجه الذي قبله فلا يستقيم إلا على التقدير الأول، لأن التقدير الثاني جعل الضلال هو العلة فلا يستقيم مع (¬1) ذلك أن يقال: إن أصل الكلام: أن تذكر إحداهما الأخرى لضلالها، مع القول بأن الضلال هو العلة، فثبت بما ذكرناه من المعنى الصحيح وجوب مجيء الآية على ما هي عليه، وأنه لو غير إلى المضمر لاختل (¬2) المعنى المقصود واختصَّ ببعضه. والله أعلم بالصواب.
¬__________
(¬1) مع: سقطت من م.
(¬2) في الأصل: اختل. وكلاهما جائز. ولكن الغالب في جواب لو إذا كان ماضياً مثبتاً دخول اللام. انظر مغنى اللبيب 1/ 301 (تحقيق الدكتور مازن المبارك، محمد علي حمد الله. دمشق).

الصفحة 129