كتاب أمالي ابن الحاجب (اسم الجزء: 1)

المذكور بعدها، على معنى أنه ليس مشكوكاً فيه. وأما معنى نسبتهما جميعاً فهما على حد سواء. فلو قدر في "إذا" مضافاً لوجب أن يكون في "متى" كذلك. ألا ترى أن نسبة الزمان في: إذا تكرمني، في المعنى كنسبته في قولك: متى تكرمني. ومما يوضح ذلك أن الذين جزموا بإذا أجروها مجرى متى، والعامل عندهم حينئذ فعل الشرط كمتي. ومعلوم أن معنى الزمان بالنسبة إلى الفعل مع الجزم كمعناه مع غير الجزم. وإذا كان المعنى فيهما سواء وثبت أن لا يكون مضافاً في أحدهما فليثبت في الآخر.
وأما "سمع" فهو من الأفعال المتعدية إلى واحد في التحقيق كقولك: سمعت كلاماً وشبهة. وقد يتوهم (¬1) أنه متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والاستعمال، أما المعنى فلأنه يتوقف على مسموع منه، كما تتوقف السرقة على مسروق منه، فالوجه الذي تعدي به السرقة إلى مفعولين موجود في السماع. وأما من جهة الاستعمال فلقولهم (¬2): سمعت زيداً يقول ذلك، وسمعت زيداً قائلاً، وقوله تعالى: {هل يسمعونكم إذ تدعون} (¬3). فلولا أن الفعل يتعدى إلى مفعولين لم يقل: إذ تدعون. لأن المعنى حينئذ: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون، وذلك لا يحسن.
والجواب عن الأول: أن السرقة ليست كالسماع من حيث إن السرقة لا تعقل باعتبار معناها الذي وضعت له إلا بمسروق منه، ألا ترى أنك لو قدرت شيئاً موجوداً ليس في يد أحد، وأخذته خفية، لا يقال له سرقة لفقدان المسروق منه، بخلاف السماع، فإنك لو قدرت صوتاً لفهمت معنى السمع بالنسبة إليه، وكذلك لو قدرت غافلاً عن المسروق منه لم تفهم معنى السرقة. ولو قدرت
¬__________
(¬1) في ب: يوهم.
(¬2) في س: كقولهم. والصحيح ما أثبتناه لأن المقصود التعليل.
(¬3) الشعراء: 72.

الصفحة 188