واجب فيه " أم" مع همزة الاستفهام على ما تقدم، وكذلك قال سيبويه، لأن المعنى ما أبالي نبيب (¬1) التيس وجفاء اللئيم، وهذا لا يستقيم إلا بـ " أم" ولو كان بـ " أو" لفسد بوجهين: لأن المعنى يكون: ما أبالي نبيبا وجفاء، ولم يقصد المتكلم إلى معنى مبالاة أحد الأمرين، وإنما أراد نفي المبالاة عنهما جميعا، ففسد لمجيء "أو". والآخر: أن المعنى ما أبالي نابا وجافيا، ويكون استعمالا للفظ في غير موضوعه، لأن المراد ههنا لا الحالية، وتلك إنما تكون بالمصدر لا باسم الفاعل في هذا المحل، وقول الشاعر:
ولست أبالي بعد موت مطرف ... حتوف المنايا أكثرت أو أقلت (¬2)
لا يجوز فيه إلا "أو" من غير همزة على ما قال. لأنه لما أعطى " أبالي" مفعولها وجب أن يكون ما بعدها المذكور في موضع الحال فيصير المعنى: ما أبالي حتوف المنايا مكثرة أو مقلة، وهذا معنى "أو". ولو قلته بـ "أم" لفسد من وجهين: أحدهما: أن الممعنى يكون: ما أبالي حتوف المنايا كثرة وقلة، وذلك غير مستقيم في قصده. والآخر: أن يكون: ما أبالي حتوف المنايا كثيرة وقليلة، وذلك فاسد لأنه يؤدي إلى اجتماع الحالين وهو محال، فوجب استعمال "أو". وكذلك قول الشاعر:
إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أو تناهى فأقصرا (¬3)
¬__________
(¬1) في الأصل نبوب. وما أثبته هو الصواب. قال ابن منظرو: "نب التيس ينب نبا ونبيبا ونبابا". اللسان (نب).
(¬2) هذا البيت من البحر الطويل ولم يعرف قائله، وهو من شواهد سيبويه3/ 185، والرضي 2/ 376، والخزانة 4/ 367. وراية سيبويه: بعد يوم مطرف، والرضي: بعد آل مطرف. ومطرف: اسم رجل. والحتوف: جمع حتف وهي المنايا. والمعنى: لا أبالي بعد فقد مطرف كثرة من أفقد أو قلته لعظم المصيبة. والشاهد فيه جواز الإتيان بـ (أو) مجردة عن الهمزة بعد (لا أبالي). ولا يجوز الإتنان بـ (أم).
(¬3) هذا البيت من البحر الطويل وقائله زيادة بن زيد العذي. وهو من شواهد سيبويه 3/ 185، والقتضب 3/ 302، والخزانة 4/ 469. ورواية نسخة الأصل ود: فابلى، والصواب ما أثبتناه. ومعناه: أنه لا يتكلم بما لا يعلم وأنه ينتهي حيث انتهى به العلم. والشاهد فيه مجيء (أو) لأحد الأمرين. وأجاز المبرد أن ينشد: أم تناهى. فتكون الهمزة في (أطال) استفهامية وعندها لا شاهد فيه لوقوع (أم) بعد همزة التسوية.