كان مثلك أحدا". لأن الخبر هو المقصود بالنفي. فإذا قال: ما كان أحد مثلك، فقد نفي مماثلة كل أحد له، لأن الضمير المرفوع في "مثل" لأحد، والكاف في معنى المفعول. والمعنى: ما كان أحد مماثلا لك، أي: مشبها لك، فنفى مشابهة كل أحد له، فصار المعنى: بلغت مبلغا من الفضل لم يشابهك أحد فيه. وإذا قال: ما كان مثلك أحدا، وجب أن يكون المنفي معنى الأحدية وهي الإنسانية، فيصير المعنى: ما مثلك إنسانا، ويكون المماثل له مثبتا، وإنما نفى الإنسانية عنه. والمثل المثبت، أما أن يراد به نفس المضاف إليه كما في قولك: مثلك لا يقول ذلك، وإما بمعنى المشابه. وعلى كلا الأمرين لا يستقيم نفي الإنسانية، لأنه يصير بمعنى: ما أنت إنسانا أو مشابهك إنسانا، وكلاهما غير مستقيم. وأما إذا قصدت معنى المبالغة في الذم أو المدح كان جائزا. يريد معنى قوله: {ما هذا بشرا} (¬1)، لأن المعنى إثبات أمر أعلى من البشرية في مقصود المحكي عنه كقول الشاعر:
فلست لإنسي ولكن لملأك (¬2)
¬__________
(¬1) يوسف: 31.
(¬2) هذا صدر بيت من الطويل وعجزه: تنزل من جو السماء يصوب. وهو من شواهد سيبويه 4/ 380 ولم ينسبه لأحد. وانظر: المفضليات 2/ 194 (تحقيق أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون)، ونسبه لعلقمة بن عبدة. وكذلك ابن الأنباري في كتاب المذكر والمؤنث ص 260. ونقل ابن منظور عن ابن بري أن البيت لرجل من عبد القيس يمدح النعمان وقيل: هو لأبي وجزه يمدح عبد الله بن الزبير. اللسان (ألك، صواب). وسيتشهد به النحاة على همز (ملاك).