كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

التيمم في غزوة المريسيع وهي التي كانت فيها قصة الإفك، وفي سياق حديث الإفك قالت: كان يعرفني قبل نزول آية الحجاب تعني صفوان، ونزول الحجاب صبيحة عرس النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب، وذلك بعد مقتل بني قريظة في آخر سنة خمسٍ، فتعيَّن كونها سنة ست كما قال خليفة بن خياط.
ولهذا الاختلاف قال القاضي أبو بكر بن العربي -رحمه الله-: وهي معضلة ما وجدت لدائها من دواءٍ عند أحدٍ، وهما آيتان فيهما ذكر التيمم إحداهما في النساء، والأخرى في المائدة، فلا نعلم أية آية عنت عائشة؟ وآية التيمم المذكورة في حديث عائشة النازلة كانت عند فقد العِقد في غزوة المريسيع قال خليفة بن خياط: سنة ست، وقال غيره سنة خمس، وليس بصحيح، وحديثها يدلّ على أنّ التيمم قبل ذلك لم يكن معلومًا ولا معمولًا به، فالله أعلم كيف كانت حال من عدم الماء وحانت عليه الصلاة، فإحدى الآيتين مُبَيِّنَة والأخرى زائدة عليها، وإحداهما سفريَّة، والأخرى حضريّة، ولما كان أمرًا لا يتعلق به حكم خبأه الله ولم يَتَيسَّر بيانه على يدي أحدٍ، ولقد عجبت من البخاري بوّب في كتاب التفسير في سورة النساء على الآية التي ذكر فيها التيمم، وأدخل حديث عائشة فقال: "وإن كنتم مرضى أو على سفر". وبوّب في سورة المائدة فقال: باب "فلم تجدوا ماءً" وأدخل حديث عائشة بعينه وإنما أراد أن يدل على أن الآيتين تحتمل كل واحدة منهما قصة عائشة وأراد فائدة أشار إليها هي أن قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} إلى هذا الحد نزل في قصة علي وأن ما وراءها قصة أخرى، وحكم آخر لم يتعلق بها شيء منه، فلما نزلت في وقت آخر قرنت بها، والذي يقتضيه هذا الظاهر عندي أن آية الوضوء يذكر التيمم فيها في المائدة، وهي النازلة في قصة عائشة. وكان الوضوء مفعولًا غير متلو فكمل ذكرهُ، وعقب بذكر بدله واستوفيت النواقض فيه ثمّ أعيدت من قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} إلى آخر الآية في سورة النساء مركبة على قوله: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} حتى تكمل تلك الآية في سورة النساء جاء بأعيان مسائلها كمال هذه ويتكرر البيان وليس لها نظير في القرآن، والذي يدل على أن آية عائشة هي آية المائدة أن المفسرين بالمدينة اتفقوا على أن المراد بقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} يعني من النوم، وكان ذلك في قصة عائشة والله أعلم اهـ.

الصفحة 16