كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

قال الفقير إليه تعالى كاتب الحروف: فتحصل من هذا أن الراجح أنها آية المائدة إلا أن طرفًا منها ألحق بآية النساء، فإذًا تقَرَّر من هذا أن آية المائدة هي التي نزلت في شأن عائشة، وذكر فيها الوضوء ليكون مفروضًا بالقرآن كما كان مفروضًا بالسنة، وليرتب عليه بدله، وتذكر أسبابه، وهي أسباب بدله أيضًا، وأن آخر آية النساء تأخر نزوله عن أولها حتى كان بعد نزول آية المائدة، ثم قرن بأول الآية لتتم الفائدة هنالك تمامها في المائدة.
فهذا ما صح في سبب نزول الآية، وهو يؤيد القول بأن ذكر الوضوء لم يكن أول بيان وجوبه لأنه كان معلومًا قبل ذلك، ولكن ليرتب عليه البدل كما تقدم.
وقد ورد في سبب نزول آخر آية النساء أن الصحابة -رضوان الله عليهم- أصابتهم جراحة، ففشت فيهم، ثم ابتلوا بالجنابة، فشكوا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت. ورَجَّح القرطبي أن آية التيمم آية النساء لعدم ذكر الوضوء فيها، ويردّه ما تقدم.
قال العيني: وقد ذكر الحميدي في جمعه حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة فذكر القصة، وفيها فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
قلت: وهو نص في موضع النزاع.
الثالث: توضيح معاني ألفاظها وبيان مفرداتها:
قوله: (يا) حرف نداء للقريب والبعيد، وقيل: يختص بالبعيد حقيقة أو حكمًا وقيل: للقريب وقيل: بينهما وبين المتوسط، وهو عند بعضهم أصل حروف النداء، ولهذا يختص بأمور: منها: أنه لا يقدر عند الحذف منها غيره نحو {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}، {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ}. ومنها: أنه يختص بنداء لفظ الجلالة نحو -يا الله- ومنها: أنه لا يستعمل في الاستغاثة غيره، وفي الندبة إمّا بالواو، أو به عند أمن اللبس.
ومنها: أنه يختص بنداء أيها، وأيتها كما قال بعضهم نحو: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ}.

الصفحة 17