كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

والقيام المصدر، والقوم، والقامة قال الراجز:
قد قمت ليلي فتقبّل قومتي .... وصمت يومي فتقبّل صومتي
أدعوك يا رب من النار التي ... أعددت للكفار في القيامة
وقوله: ({إِلَى الصَّلَاةِ}): إلى حرف جر ترد في العربية لمعان عدة ذكرها ابن هشام فعدّها ثمانية، وأصلها لمنتهى الغاية الزمانية نحو {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} والمكانية نحو {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} وهي هنا يحتمل أن تكون بمعنى اللام أي للصلاة، ويحتمل أن تكون للغاية.
والمراد هنا أردتم القيام إلى الصلاة؛ لأن الدخول في الصلاة لا يكون إلا بعد الوضوء، فالقيام للدخول فيها ليس مرادًا هنا وإنما المراد إرادته، قال البيضاوي: (عبّر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها للإيجاز، والتنبيه على أن من أراد العبادة ينبغي أن يعزم عليها، ويبادر إليها بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة، أو إذا قصدتم الصلاة؛ لأن التوجه إلى الشيء، والقيام إليه قصد له). اهـ.
وقد ترد هذه الصيغة وهي دخول إذا على الفعل الماضي، والمراد القصد إلى الشيء لا حصوله بالفعل، وهو هنا من إطلاق المسبب، وإرادة السبب؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي: أردت قراءته، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله" وقوله: "إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله" "إذا أكلت فسمِّ الله"؛ لأن الإِنسان لا يقوم إلى الدخول في الصلاة إلا وهو متوضئ، ومن هذا القبيل حديث أنس عند البخاري: "تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة"، بدليل أنه لما قيل كم كان بين السحور والأذان؟ قال: "قدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية"، والصلاة أصلها في وضع اللغة الدعاء ومنه قول الأعشى:
وقابلها الريح في دنها ... وصلى على دنها وارتسم
وقول الآخر:
صلى على عزة الرحمن وابنتها ... ليلى وصلى على جاراتها الأخر
قال جرير:
وإن الذي أعطى الخلافة أهلها ... بنى لي في قيس وخندف مفخرا
منابر ملك كلها مضريّة ... يصلي علينا من أعرناه منبرا

الصفحة 21