كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

جنس هذا الرجل، وقد قيل: إنه الأقرع بن حابس، ومثل هذا من الإبهام هو الذي قد يقصد للستر على صاحب القصة. وقوله: (بال في المسجد) وفي رواية: "في طائفة المسجد". وأل في المسجد للعهد الذهني، لأنه المعروف عند السامعين أنه مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: (فقام إليه) أي إلى الأعرابي، وقوله: (بعض القوم) المراد بهم الصحابة فأل فيه أيضًا للعهد الذهني، أي: قاموا ليمنعوه من البول، مبادرة إلى تغيير المنكر والفاء إمَّا للعطف وهو الأقوى، أو للسببية وهو محتمل فيها وليس بالقوي، وجملة (بال) في محل رفع خبر إن، وجملة (إن) مع ما دخلت عليه؛ يسبك منها مصدر مجرور بالباء على تقدير: عن أنس حدث بأن إلخ.
وقوله: (دعوه) أي اتركوه، وهذا الفعل لم يستعمل منه في الغالب إلا المضارع والأمر الذي هو فرعه، وهجر منه في الغالب الماضي واسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، واستعملوا الترك بدلًا من هذه التصاريف مع أن الكل قد سُمع. ففي الحديث: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم" الحديث. قال في القاموس: وقد أميت ماضيه، يقال فيه: ترك.
وجاء في الشعر: ودعه فهو مودع، قال الشاعر:
ليت شعري عن خليلي ما الذي ... غاله في الحب حتى ودعه
لا يكن برقك برقًا خلبًا ... إن خير البرق والغيث معه
وهذان البيتان ينسبان لأنس بن زينم.
وقال خفاف بن ندبة:
إذا ما استحمت أرضه من سمائه ... جرى وهو مودوع وواعد مصدق
ولكن ابن بري لا يرى أن مودوعًا هنا بمعنى متروك، بل يرى أنها من الدعة وهي: الراحة والسكون.
قال صاحب اللسان: أنشد الفارسي في البصريات:
فأيهما ما أتْبَعنَّ فإنني ... حزين على ترك الذي أنا وادع
وأنشد ابن حجر -رحمه الله تعالى-:
ونحن ودعنا آل عمرو بن عامر ... فرائس أطراف المثقفة السمر

الصفحة 235