كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

العذب للشرب وقوله: (أفنتوضأ) الفاء عاطفة والهمزة للاستفهام، والأصل أنها إذا صحبها حرف العطف قدمت عليه، ويعلل النحويون ذلك بكونها لها الصدر في الكلام أكثر. ومن في قوله: (من ماء البحر) تبعيضية أي: بشيء من ماء البحر، أو هي بمعنى الباء أي بماء البحر، والمراد به من الماء المالح لأن البحر الذي كانوا يركبونه هو البحر الأحمر المالح، فكأنهم اعتقدوا أن الملوحة مؤثرة في الماء وقوله: (هو الطهور ماؤه) تقدم الكلام على الطهور وأنه اسم لما يتطهر به وهذا التعبير يفيد الحصر، أي: حصر الطهورية في ماء البحر، وهو غير مراد لكنه على سبيل المبالغة في وصفه بذلك، لإزالة ما وقع في نفوسهم من الشك فيه، فهو كقوله: "الدعاء هو العبادة"، وأل فيه للجنس.
وقوله: (الحل ميتته) الحل بمعنى الحلال، وهو زيادة على جواب السؤال لتتميم الفائدة، وهو مستحسن كما سيأتي إن شاء الله. والميتة: كل حيوان خرجت روحه من غير ذكاة، والمراد: ميتة دوابه لا ما مَاتَ فيه من غير دوابِّه؛ فهو حرام، فالإضافة لتخصيص حيوانه بذلك دون غيره. والعدول عن قوله نعم أو توضؤوا منه، فيه فائدة وهو أنه لو أجاب بذلك؛ لأوهم أن يكون الحكم خاصًا بأهل الضرورات على حسب حال السائلين، فأزال ذلك الاحتمال بتعميم الصفة في ماء البحر، وزاد ما تدعو الحاجة إلى بيانه لهم ولغيرهم من حاجة ميتته.

• الأحكام والفوائد
فيه: دليل على التطهير بماء البحر وأنه لا فرق بينه وبين ماء السماء في التطهير، وأن كون الماء في معدن الملح ونحوه لا يضره ذلك؛ أما إذا طرح الملح فيه ففيها خلاف عند الفقهاء. ويؤخذ منه أن المعدن الذي يكون في محل قرار الماء ويغير طعمه أنه لا يمنع من التطهر به، وكذلك اختلاط الماء من المطر بالنبات وأوراق الأشجار التي تكون في محل مجرى الماء، كما يوجد كثيرًا في البوادي. وفي قوله: (الحل ميتته) دليل على جواز أكل حيوان البحر الميت، وهو مذهب الجمهور بدون تخصيص، ويدل عليه حديث العنبر في قصة سرية الخبط، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله.
وفيه: دليل على جواز الزيادة في الجواب على السؤال فيما تدعو إليه الحاجة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - علم أن حاجتهم إلى هذه الزيادة لا تقل عن حاجتهم إلى

الصفحة 246