كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

والمراد: سكت عن الجهر أو عن القراءة بالفاتحة لا عن الكلام، لأن قوله: (ما تقول). يدل على أنه قد علم أنه يقول شيئًا، فعبّر بالسكوت عن تركه الجهر بما يقوله. وقوله: (بأبي أنت وأمي) معناه: أفديك بأبي وأمي؛ على أن المحذوف فعل، ويجوز أن يكون المحذوف اسمًا والتقدير: أنت مفدي بأبي وأمي، ففي كل من التقديرين الجار والمجرور متعلق بمحذوف كما هو المعروف في نظائره، والحذف عند النحويين في مثل هذا لكثرة الاستعمال. وعلى التقرير الأول: الجملة فعلية، وعلى الثاني: اسمية، وهذه اللفظة تستعمل لإبداء المحبة والتعظيم للشخص، كأنه جعله أحب إليه من أبيه وأمه. والحديث يدل على جواز استعمالها للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقيل: خاص به وقيل: يجوز استعمالها لغيره، ومنه حديث سعد بن أبي وقاص يوم أحد حيث قال له - صلى الله عليه وسلم -: "ارم فداك أبي وأمي"، وهو دليل واضح لجواز هذه اللفظة لغيره عليه الصلاة والسلام؛ ولكن لا ينبغي قولها إلا لأهل العلم والصلاح ممن يكون في احترامه احترام للشرع والله أعلم. و (ما) في قوله: (ما تقول) للاستفهام (وفي سكوتك) أي في حال سكوتك أو في وقت سكوتك، وقوله: (بين التكبير والقراءة) تعيين لمحل السكوت المذكور، وقوله: (أقول: اللهم) أصله: يا الله؛ فحذفت الياء وعوّض عنها الميم، وهذه الصيغة خاصة بلفظ الجلالة، والأكثر في استعماله مع الميم حذف الياء كما تقدم، وسمع الجمع بينهما في قول الشاعر:
إني إذا ما حدث ألمّا ... أقول يا اللهم يا اللهمّا
وإلى ذلك أشار ابن مالك -رحمه الله- بقوله:
والأكثر اللهم بالتعويض ... وشذّ يا اللهمّ في قريض
وقوله: (باعد) أي: أبعد، وصيغة المفاعلة إما للمبالغة كما قاله الكرماني، أو للتكثير مثل ضاعف بمعنى ضعف. وقوله: (بيني وبين خطاياي) كرر كلمة (بين) لأن عود الخافض عند العطف على الضمير المخفوض؛ لازم عند الأكثرين، كما قال ابن مالك:
وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازمًا قد جعلا
وليس عندي لازمًا إذ قد أتى ... في النظم والنثر الصحيح مثبتا
و(الخطايا) جمع خطية كالعطايا جمع عطية، من قولهم: خطئ في دينه؛

الصفحة 249