كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

ابن الأثير: يقال للرجل إذا توضأ قد تمسح، والمسح يكون مسحًا باليد، ويكون غسلًا، وفي الحديث: "لما مسحنا البيت أحللنا" أي طفنا به، لأن من طاف بالبيت مسح الركن، فصار اسمًا للطواف، ويقال أيضًا مسح بالركن كما في قوله:
ولما قضينا من منى كل حاجةٍ ... ومسَّح بالأركان من هو ماسح
وشدّت على حدب المطايا رحالنا ... ولم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا .... وسألت بأعناق المطي الأباطح
ومنه قول قيس بن الأسلت:
قوموا فصلوا ربكم وتمسحوا ... بأركان هذا البيت بين الأخاشب
قال ابن العربي: (المسح إمرار اليد على الممسوح خاصة، وهو في الوضوء عبارة عن إيصال الماء على الآلة الممسوح بها، والغسل عبارة عن إيصال الماء إلى المغسول، وهذا معلوم من ضرورة اللغة). اهـ.
وقوله: ({بِرُءُوسِكُمْ}): الرؤوس جمع رأسٍ في الكثرة وفي جمع القلة أرؤس قال الشاعر:
بضربٍ بالسيوف رؤوس قومٍ ... أزلنا هامهن عن المقيل
قال في اللسان: (رأس كل شيء أعلاه والجمع في القلة أرؤس، وآراس على القلب، ورؤوس في الكثرة، ولم يقلبوا هذه، ورؤس على الحذف، قال امرؤ القيس:
فيومًا إلى أهلي ويومًا إليكم ... ويومًا أحط الخيل من رؤس أجبال) اهـ.
قال القرطبي -رحمه الله-: وأما الرأس فهو عبارة عن الجملة التي يعرفها الناس ضرورة ومنها الوجه، فلما ذكره الله -عز وجل- في الوضوء، وعيّن الوجه للغسل بقي باقيه للمسح، ولو لم يذكر الغسل للزم مسح جميعه، إلى أن قال: ووضح بما ذكرناه أن الأذنين من الرأس خلافًا للزهري -رحمه الله- حيث يقول: هما من الوجه، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا القول وأنه يستدل له بقوله - صلى الله عليه وسلم - في دعاء سجود التلاوة: "وشق سمعه وبصره" فأضاف السمع إلى الوجه، وتقدم الجواب عن ذلك، وخلافًا أيضًا لقول الشعبي حيث قال: ما أقبل منهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس، وهو قول الحسن، وإسحاق، قال القرطبي: وحكاه ابن أبي هريرة عن الشافعي، واستدلوا لكون الجملة المذكورة يشملها اسم الرأس بقول الشاعر:

الصفحة 25