كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

إذا أثم، والخطأ: الإثم والذنب. قال أبو عبيد: خطئ وأخطأ بمعنى، وأنشد لامرئ القيس:
يا لهف هند إذا خطئن كاهلًا ... القاتلين الملك الحلاحلا
وفي القاموس: أخطيت لغة رديئة. وخطئ في دينه وأخطأ: سلك سبيل خطأ عمدًا كان أو غير عامد. قال البدر العيني -رحمه الله تعالى-: (وأصل خطايا: خطائي، فقلبوا الياء همزة كما في قبائل جمع قبيلة، فصارت: خطائئي بهمزتين فقلبت الثانية ياء فصارت: خطائي، ثم قلبوا الهمزة ياء مفتوحة فصارت: خطايي أي بياءين، فقلبت الياء -أي الأخيرة- ألفًا فصارت: خطايا). اهـ. فيحتمل أن المراد بهذا الدعاء محو ما سلف منها، فتكون المباعدة: المبالغة في عدم المؤاخذة بها، أو المراد العصمة منها في المستقبل، وتكون إضافتها حينئذٍ لاحتمال حصولها كما هي العادة في جنس البشر، أو على تقدير حصولها. وقد استشكل هذا الدعاء ونحوه وما هو كثير في السنة من طلبه المغفرة ومبالغته في ذلك، مع كونه معصومًا عند الأكثرين من الذنوب: أما من الكبائر فباتفاق، وأما من الصغائر فعند الأكثرين -وعلى فرض تجويزها- فقد أخبره الله أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد يجاب عن هذا وما فيه معناه: أنه من طلبه الدرجة العالية. ويتضمن أمورًا منها: عدم الاغترار بالله وأمن مكره، ومنها: إظهار الحاجة والفقر إليه تعالى، ومنها: تعليم أمته الدعاء، ومنها: أن الدعاء في نفسه قربة يزاد بها العبد رفعة عند الله، وفيه: شكر نعمه -سبحانه وتعالى-. وفي الحديث: "من لم يسأل الله يغضب عليه"، كما قيل:
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب
والأحاديث في فضل الدعاء والحث عليه كثيرة مشهورة، مع أن فعله لذلك فيه تعليم للأمة وحث لهم على الدعاء. وقوله: (كما باعدت) الكاف في محل نصب نعت لمصدر محذوف، وما مصدرية والتقدير: مباعدة مثل مباعدتك، أو: تبعيدًا مثل تبعيدك، أو: إبعادًا مثل إبعادك بين المشرق والمغرب، ووجه التشبيه أن المشرق والمغرب لا يجتمعان، فكذلك يكون حالُه مع الذنوب: أنه لا يجتمع معها كما لا يجتمع المشرق والمغرب. وقوله: (نقّني) فعل طلب بصيغة الأمر وهو، من: التنقية من الشيء، وهو مجاز عن إزالة الذنب ومحوه حتى لا يكون

الصفحة 250