كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 2)

فهذا ملخّص ما اقتضى النظر الكلام عليه، وفيه مسائل محلها في كتاب الصيد تأتي إن شاء الله، وإليك التفصيل مُستَمِدًّا من الملك الجليل العون والهداية لسواء السبيل:
المسألة الأولى:
هل الأمر للوجوب؟ فذهب الجمهور من العلماء إلى أنه للوجوب وإن اختلفوا هل هو على الفور أو على التراخي؟ وذهب مالك وأتباعه في المشهور من مذهبه إلى أنه للندب ووجه ذلك: أن الأمر وإن كان الأصل فيه عند الأكثرين أنه يقتضي الوجوب لكن محل ذلك ما لم يدلَّ دليل، أو تقوم قرينة على عدم الوجوب، قالوا: والدليل والقرينة موجودان؛ أما الدليل فظاهر الآية الكريمة: آية المائدة في الصيد {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، ولم يأمر بغسل محل فم الكلب، وحديث عدي بن حاتم في الصحيح: وإذا أرسلت كلبك المُعلَّم وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك". وجاء في بعض الروايات غير رواية عدي: "وإن أكل" كما يأتي في الصيد. قالوا فظاهر القرآن والسنة دلَّا على عدم وجوب الغسل، وأما القرينة فذكر العدد، فإنه غير معهود في غسل النجاسة ولا يتوقف عليه التطهير، فذكره دليل على أن الأمر للتعبّد.
المسألة الثانية:
هل العلة فيه معقولة أم هو تعبّدي غير مُعلَّل، فقد تقدّم أن مالكًا ومن وافقه يقولون إن الأمر بالغسل للتعبّد، واستدلّوا لذلك بأمور منها: ما تقدّم من أنه أَمَرَ فيه بعدد معيَّن، وهذا يمنع أن يكون للنجاسة لعدم وجود نظير لذلك في شيء منها، ودعوى أنه للتغليظ بعيدة لأن فيه ما هو أغلظ وأقذر منه، وإذا لم يكن للنجاسة لا تُتَعقَّلُ علته، فصار تعبّديًا. ثانيًا: أنه ذكر فيه كما سيأتي التتريب، فهو وإن لم يكن في رواية مالك فقد ثبت في رواية غيره ممن يقول بالتعليل بالنجاسة. قالوا وليس للتراب دخل في تطهير النجاسة. ثالثًا: ما يأتي في الكلام على طهارة عين الكلب، مما تقدّم ذكره من دليل الآية والحديث على عدم النجاسة إلا على احتمال ما يأتي من كونه للاستقذار لتعاطيه النجاسة في الغالب، وهذا له بحث آخر، وذهب الجمهور إلى أنه مُعَلل وأن علَّته النجاسة، واستدلوا لذلك بأمور أيضًا، أولًا: ما ثبت في صحيح مسلم وغيره، "طهور إناء

الصفحة 264