كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 2)

أحدكم إذا ولغ فيه الكلب. ." الحديث، ووجهه: أن الطهور لا يستعمل إلا في إزالة خبث، أو رفع حدث، ولا حدث هنا فتعين الخبث وهو النجاسة، وأجيب بأن الحصر في الأمرين غير مُسَلَّم لوجوده في غير ذلك، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "السواك مطهرة للفم"، وقوله: "الصعيد الطيب طهور المسلم"، وقوله: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، وقوله في صدقة الفطر: "إنها طهرة للصائم". وقوله -عز وجل-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وقال: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}، وتعقَّب بأن الغالب في اللفظ عند الإطلاق أحد الأمرين: إزالة الخبث، أو رفع الحدث، فهو أقرب إلى حقيقة اللفظ وهو غير مُسلَّم لأنه لا يكفي في إثبات نجاسة الأعيان والأصل خلافها. ثانيًا: الأمر بالإِراقة كما سيأتي وهي إفساد فلو لم يكن ما في الإِناء نجسًا لما أمر بإراقته، ويجاب عنه بأمرين: أحدهما القَدْحُ في ثبوتها كما تقدّم أنها انفرد بها ابن مسهر وسيأتي ذلك، الثاني: أنه على فرض التسليم فانحصار علة الإِراقة فيها غير مُسَلَّم لاحتمال أن يكون في لعاب الكلب ما يسبّب ضررًا كما في جناح الذباب فيكون الأمر بالإِراقة من أجل ذلك والله أعلم. ولا ينافي ذلك التعبّد لأنه غير معقول لنا فهو بمثابة ما لا علة له.
المسألة الثالثة:
إذا علّل بالنجاسة فهل يدل على نجاسة عين الكلب أم لا؟ فذهب الجمهور القائلون بالتعليل بالنجاسة إلى أنه دليل على نجاسة عين الكلب وهو قول الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وأبي ثور ونسبه القاضي عبد الوهاب إلى سحنون من المالكية على ما ذكر ابن العربي، وذكر أن أبا الهيثم الخراساني من أئمة الحنفية نقل عن أبي حنيفة القول بطهارته.
قال ابن دقيق العيد: ولهم في ذلك أي للقائلين بالنجاسة في الاستدلال بالحديث على نجاسة الكلب طريقان، أحدهما: (أنه إذا ثبتت نجاسة فمه من نجاسة لعابه فإنه جزء من فمه وفمه أشرف ما فيه فبقية بدنه أولى). الثاني: (إذا كان لعابه نجسًا وهو عرق فمه ففمه نجس، والعرق جزء متحلّب من البدن، فجميع عرقه نجس فجميع بدنه نجس، فتبيّن بهذا أن الحديث إنما دل على النجاسة فيما يتعلق بالفم، وأن نجاسة بقية البدن بطريق الاستنباط) اهـ.
قُلت: تَعقَّبه الصنعاني في حاشيته على العمدة -رحمه الله- فقال: (قوله: "فإنه

الصفحة 265