كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 2)

جزء من فمه" فيه تسامح لأنه عرق فمه والعرق ليس بجزء من البدن، نعم متحلّب منه كسائر فضلاته، قال: وقوله: "فمه أشرف ما فيه" يحتاج إلى دليل؛ بل لو قيل: إنه أخبثه لأنه محل استعمال النجاسات لكان ظاهرًا) اهـ. قال ابن دقيق العيد بعد ذكر التقرير للتدليل على النجاسة بالاستنباط: (وفيه بحث وهو أن يقال: إن الحديث إنما دل على نجاسة الإِناء بسبب الولوغ وذلك قدر مشترك بين نجاسة عين الفم وعين اللعاب أو تنجّسهما باستعمال النجاسات غالبًا، والدال على المشترك لا يدل على أحد الخاصين، فلا يدل الحديث على نجاسة عين الفم أو عين اللعاب) اهـ. قلت: وتوضيح ذلك أنه إذا كان الحديث دل على احتمال كون نجاسة الإِناء بسبب كون اللعاب والفم نجسين واحتمال كونهما ليسا نجسين، ولكن الغالب عليهما تعاطي النجاسة فهما متنجسان لا نجسان، صار الحكم بأحد الأمرين لا يتم لتساويهما في الاحتمال، ثم ذكر -رحمه الله- أنه يمكن الاعتراض على أن العلة التنجيس بأنه يستلزم أحد أمرين: إما ثبوت الحكم بدون علته، وإما تخصيص بدون مخصّص، وتوضيح ذلك أنه لو قلنا: أمر بغسل الإِناء من ولوغ جميع الكلاب والعلة التنجيس، ثم فرضنا أن كلبًا علمنا طهارة فمه بالغسل والحبس عن القذر أو غير ذلك، ثم ولغ في إناء فما حكمه؟ إن قلنا نغسل الإِناء أثبتنا الحكم بدون العلة التي هي تعاطي القذر، وإن قلنا: نترك غسله خصّصنا عموم الكلب بدون مخصّص، فهذا معنى عبارته -رحمه الله-.
ثم قال: ويمكن أن يجاب عنه بأن يقال: الحكم منوط بالغالب وما ذكرتموه من الصورة نادر، ثم قال: وهذا البحث إذا انتهى إلى هذا يُقوِّي قول من يرى أن الغسل لأجل قذارة الكلب.
قال الصنعاني: مراده فيه بحث، لأنه ظهر ضعف كون العلة التنجيس على أحد الثلاثة التقادير، وإن لم يكن ذلك قَوِيَ أنه أمر تعبّدي لا للاستقذار.
تنبيه:
قال ابن دقيق العيد بعد ذكر قول المالكية بأن الأمر للتعبّد: (والحمل على التنجيس أولى لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبّدًا أو معقول المعنى كان حمله على كونه معقول المعنى أولى لندرة التعبّد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى) اهـ.

الصفحة 266