كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 2)

قال الصنعاني: دعوى كثرة ذلك ممنوع فإن الأحكام التعبّدية أكثر، ثم مثَّلَ لكثرتها بأحكام الصلاة في عدد الركعات والسجدات، وخصوص كل وقت بعدد معين إلى غير ذلك، ومثَّلَهُ في الزكاة في اختلاف النصب والوقت، وفي الحج أكثر لأن أعماله كلها تعبّدية، ثم قال: والعبودية بامتثال التعبّدية أظهر منها في المعقولة العلة، انتهى المراد منه والله الموفق للصواب.
وذهب مالك وشيخه ابن شهاب إلى طهارة عين الكلب وأنه كسائر الحيوان، وهو مروي عن عكرمة والبخاري، وقد استدلَّ له بما أخرج في صحيحه عن ابن عمر: "كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد". وبما تقدّمت الإِشارة إليه من حديث عدي في الصيد والآية الكريمة فيه.
المسألة الرابعة:
هل هذا الحكم خاص بالولوغ أو يعم سائر ملابسات الكلاب؟ ، قال ابن حجر -رحمه الله-: (ومفهوم الشرط في قوله: "إذا ولغ" يقتضي حصر الحكم على ذلك، ولكن إذا قلنا إن الأمر للتنجيس يتعدّى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلًا، ويكون ذكر الولوغ للغالب، وأما باقي أعضائه كيده ورجله فالمذاهب المنصوص أنه كذلك) اهـ. يعني مذهب الشافعي. قال النووي -رحمه الله-: (اعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه، فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئًا طاهرًا في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبعًا إحداهن بالتراب) اهـ.
قُلت: وهذا مبني على ما تقدّم لابن دقيق العيد من أنهم يجعلون الحكم بالنجاسة في علة الغسل يستلزم نجاسة عين الكلب وتقدّم البحث في ذلك.
المسألة الخامسة:
هل يُلحَق بالكلب غيره من السباع؟ ذهب الشافعي إلى أن الخنزير كالكلب في هذه الأحكام، وهو المعمول به عند أصحابه وكذلك ما تولد منهما أو من أحدهما، وهو مذهب أحمد في المشهور عنه، وذكر الشوكاني في باب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل لحمه في شرح حديث النهي عن لحوم الحمر: (وقال أحمد في أشهر الروايتين عنه: إنه يجب التسبيع يعني في سؤر ما لا يؤكل لحمه. قال: ولا أدري ما دليله، فإن كان القياس على لعاب الكلب فلا يخفى ما فيه، وإن كان غيره فما هو؟ ) اهـ.

الصفحة 267