كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

ومنه أيضًا قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
فلثمت فاها آخذًا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
قال ابن هشام: ومنه: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} والظاهر أن الباء فيهن للإلصاق، وقيل: هي في آية الوضوء للاستعانة، وأن في الكلام حذفًا، وقلبًا فإن "مسح" يتعدى إلى المزال عنه بنفسه، وإلى المزيل بالباءِ، فالأصل: امسحوا رؤوسكم بالماء، وذكر البيت السابق كنواح ريش. إلخ، وهذا يوافق القول في دخولها لإفادة المعنى المتقدم ذكره.
وقوله: {وَأَرْجُلَكُمْ}: الأرجل جمع رجل، وهي من الحيوان، والإنسان من الفخذ إلى القدم، ولهذا قيدت في الغسل كما حصل في اليد، وهذا اللفظ جاء على وزن جمع القلة، واستغنوا به عن جمع الكثرة فلم يسمع فيه، واختلف العلماء في قراءة هذه اللفظة، وبِحَسب اختلافهم في القراءة اختلفوا في المعنى، فقرأها نافع، وعبد الله بن عامر، وعلي الكسائي، وحفص عن عاصم بالنصب معطوفة على المغسول، وذلك يتخرج على وجهين: أحدهما: أنه من المؤخر في اللفظ المقدم في المعنى، والأصل: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين؛ ولكن محافظة على ترتيب أعضاء الوضوء قدّم الرأس على الأرجل.
والوجه الثاني: أن يكون على تقدير فعل محذوف هو الناصب، والتقدير: امسحوا برؤوسكم، واغسلوا أرجلكم، وعطفه على المجرور سائغ؛ لأن العرب تنسق الشيء على الشيء، والعامل مختلف، وقد دل التحديد على الغسل فلزم تقدير العامل المناسب كما في قوله: "علفتها تبنًا وماء باردًا" أي وسقيتها، وقوله:
يا ليت زوجك في الوغى ... متقلدًا سيفًا ورمحًا
أي: وحاملًا رمحًا، وقول لبيد:
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها
والنعام لا يطفل؛ وإنما يبيض فالتقدير: وباض نعامها.
وهذان الوجهان عند من يرى أن فرض الرجلين هو الغسل، وهم الجمهور كما سيأتي بيانه في أحكام الآية إن شاء الله تعالى. وقرأ ابن كثير

الصفحة 27