كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)
المكي، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وحمزة الكوفي، وأبو بكر عن عاصم "وأرجلِكم" بالجر، وتتخرج هذه القراءة على أنه معطوف على رؤوسكم، وهذا محتمل لأمرين: أما من يرى أن حكمهما المسح فالأمر ظاهر في حقه، غير أن منهم من يرى أنه مسح بمعنى الغسل الخفيف، أو أنه غسل لابد فيه من المسح باليد كما سيأتي إن شاء الله.
وأما على قول من يرى أن فرضهما الغسل، فيتخرج على ما قدمنا من تقدير عامل مناسب بعد قوله "برؤوسكم" أي: واغسلوا أرجلكم على حد قوله "وباض نعامها". وعلى أن المسح غسل فهو وإن عطف على مسح الرأس فهو مغاير له بقرينة التحديد المذكور بالكعبين، وفيه وجه آخر وهو أنه مجرور بالجوار كما في قولهم: "هذا جُحْرُ ضب خربٍ"، وقول امرئ القيس:
كأنَّ ثبيرًا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل
فإن "خرب" نعت للجحر، وهو مرفوع، و"مزمّل" نعت لكبير، وهو مرفوع، ومثله قول زهير بن أبي سلمى:
لمن الديار بقنة الجحر ... أقوين من حجج ومن شهر
لعب الزمان بها وغيرها ... بعدي سوافي المور والقطر
ورد هذا من وجهين: أحدهما: أن الجر بالجوار في الجملة لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، حتى أطلق بعضهم عليه أنه لحن يغتفر في ضرورة الشعر. والثاني: أنه لا يكون إلا مع أمن اللبس، ووجه ثالث: وهو أنه لا يكون في العطف، والبيت السابق يدل على خلاف هذا الوجه الأخير. قالوا: فلا يجوز تخريج القرآن عليه، وسيأتي تفصيل أقوالهم، ومذاهبهم في الكلام على الأحكام.
قال الألوسي -رحمه الله تعالى- -بعد حكايته تضعيف الجر بالجوار أي في الجواب عن الوجه الأول-: (إن إمامَي النحاة الأخفش، وأبا البقاء وسائر مهرة العربية وأئمتها جوّزوا الجر بالجوار، وقالوا بوقوعه في الكلام الفصيح كما ستسمعه إن شاء الله. ولم ينكره إلاَّ الزجاج وإنكاره مع ثبوته في كلامهم يدل على قصور تتبعه، ومن هنا قالوا: المثبت مقدم على النافي، وعن الثاني: لا نسلّم أنه إنما يصار إليه عند أمن الالتباس، ولا نقل في ذلك عن النحاة في
الصفحة 28
1920