كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)
وقوله: "جنبًا" الجنب لا يثنّى ولا يجمع لأنه على وزن المصدر كالقرب والبعد، وربما خففوه فقالوا: جنب، وقد قرأ كذلك قوم، قال الفراء يقال: جنب الرجل، وأجنب من الجنابة، وقيل يجمع الجنب في لغةٍ على جنبون وأجناب، وجنبات كما يثنى على جنبان، مثل عنق، وأعناق، وطنب، وأطناب، وذلك أنهم جمعوهُ جمع تكسير على أفعال كبطل وأبطال، وجبل وأجبال، إجراء للمصدر مجرى الاسم، ومن قال للواحد جانب، قال في الجمع جناب كراكب وركاب، والأصل البعد؛ لأن الجنب يبعد بالجنابة عن الصلاة، ونحوها مما تشترط له الطهارة، قال علقمة بن عبدة:
وفي كل حيٍ قد خبطت بنعمةٍ ... فحق لشأس من نداك ذنوب
فلا تحرمني نائلًا عن جنابةٍ ... فإني امرؤ وسط الديار غريب
فقوله: عن جنابةٍ أي: عن بعدٍ، وذكر ابن دقيق العيد عن الإِمام الشافعي أنه قال: (إنما سمي الجنب من المخالطة، ومن كلام العرب: أجنب الرجل إذا خالط امرأته) اهـ كأنها مشتقة من القرب أي: وضع الجنب بالجنب؛ لأن الغالب حصولها من ذلك، والجنابة في الشرع حصول أحد أمرين: إيلاج الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج، أو إنزال المني بشهوة معتادة، سواء كان ذلك في اليقظة أو في النوم، كان ذلك من مباح، أو حرام، ويقال للمني جنابة كما في حديث عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" الحديث.
وقوله: {فَاطَّهَّرُوا}: جواب الشرط من الطهارة التي هي النظافة الحسية والمعنوية، وطهر، يطهر صار طاهرًا، وتطهَّر إذا فعل ذلك بنفسه؛ كما في قوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} والمعنوية كقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وقولهم: طاهر الثياب إذا كان بعيدًا عن المعرة؛ كما قالوا دنس الثياب إذا كان بالعكس. قال امرؤ القيس:
ثياب بني عوف طهارى نقية ... وأوجههم عند المشاهد غران
وأصل اطّهروا: تطهروا، أدغمت التاء في الطاء، وجيء بهمزة الوصل لأجل سكون أوله، والتطهر تفعل من استعمال المطهر، وهو الماء، ولهذا كان ابن مسعود، وعمر -رضي الله عنهما- لا يريان للجنب التيمم كما سيأتي إن شاء الله، وقيل: إنهما رجعا عن ذلك، وقوله: {فَاطَّهَّرُوا} مفسَّر بقوله في النساء: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} بين أن المراد بقوله اطهروا اغتسلوا.
الصفحة 32
1920