كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} جمع مريض كقتلى جمع قتيل، والمرض: خروج البدن عن حد الاعتدال إلى الانحراف في الصحة، وغلبة بعض الطبائع على بعضها، وهو صادق بالقليل، والكثير الذي يخاف معه التلف، أو يخاف تأخر برء أو حدوث ضررٍ مبيح للتيمم، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في أحكام الآية.
وحدّ المرض بعض أهل اللغة بأنه إظلام الطبيعة بعد صفائها، واعتدالها. مرض -كفرح- مرضًا، ومرْضًا فهو مرض، ومريض، ومارض، والأنثى مريضة، والجمع مِراض، ومرضى، ومراضى. قال جرير:
قتلننا بعيونٍ زانها مرض ... وفي المراض لنا شجو وتعذيب
وقال:
رأى الناس البصيرة فاستقاموا ... وبينت المراض من الصحاح
قال سيبويه: المرض من المصادر المجموعة كالشغل، والعقل، قالوا: أشغال، وعقول، وقد يعبر بالمرض عن فساد القلب؛ كما في قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} سواء كان المرض موجودًا بالفعل، أو يتوقع حصوله باستعمال الماء، ولفظ الآية لا يعطي إلا الأول وهو أن يكون المرض حصل بالفعل، ولكن دلت السنة على أن الخوف من حصوله إذا غلب على الظن حدوثه باستعمال الماء أو تحقق ذلك؛ كما في حديث عمرو بن العاص الثابت في السنن؛ فإنه لما صلى بأصحابه بالتيمم، وهو جنب، وأخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال: إني سمعت الله -عز وجل- يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} الحديث، وسيأتي الكلام عليه في أحكام الآية.
وقوله: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ}: "أو" حرف عطف ذكر لها النحويون معانٍ أبلغوها إلى اثني عشر، وذكر ابن هشام -رحمه الله- أنها موضوعة لأحد الشيئين، أو الأشياء، وقد تخرج إلى معنى بل، أو معنى الواو، وأما بقية المعاني فتستفاد من غيرها. الأول من معاني "أو": الشك كقوله تعالى: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} والثاني: التخيير، وعلامتها أن تقع بعد الطلب، وقبل ما لا يجوز جمعه، كقولك: تزوج هندًا، أو أختها. الثالث: الإبهام نحو {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ

الصفحة 33