كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

وقوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ}: تقدم الكلام على أو، ومعانيها، وهي هنا للتقسيم كالتي قبلها. واحد: أصله وحد فالهمزة فيه مبدلة مِنَ الواو، ومنه قولهم: واحد، وقد جاء على الأصل كما في قول النابغة الذبياني:
كأنّ رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنسٍ وحد
يصف حمار الوحش.
و"من" في قوله "منكم" للبيان.
وقوله: {مِنَ الْغَائِطِ}: مِنْ: الظاهر أنها تحتمل البيان، والتَّبعيض، والغائط: أصله المطمئن من الأرض؛ غير أنهم كانوا ينتابونه لذلك؛ لأن العرب لم تكن تتخذ الكنف في البيوت، ومن عادتها في الكلام أن تكني عن الشيء الذي يستقبح ذكره، فكنّوا عما يخرج من الإنسان أحيانًا بالغائط، حتى صار كأنه اسم لما يخرج من بولٍ وعذرة.
قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} يعني: أو باشرتم النساء بأيديكم، وقيل: هو الجماع ولكنه جاء على طريق الكناية، وأصل اللمس هو المباشرة للبدن بدون حائل، وأكثر ما يستعمل في اللمس باليد، ومنه قوله سبحانه: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} وقال الشاعر:
لمست بكفي كفَّه أبتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفّه يعدي
وحمله على الجماع مع كونه خروجًا عن الأصل فيه أيضًا التكرار مع قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.
وقد أجيب عن ذلك بأن التكرار ليبيّن أنه ينوب فيه التراب عن الماء كالحدث الأصغر، وهذا القول وإن نصره ابن جرير فقد ذهب الجمهور إلى خلافه، وإنما نصره ابن جرير لما ورد من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان يقبّل، ولا يتوضأ" من رواية عائشة، وأم سلمة. قال كاتب الحروف -عفا الله عنه-: وذلك لا يعين أن يكون المراد هنا الجماع لاحتمال أن يكون قبل نزول الآية، أو يكون من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم - مع أن المعروف في ذلك أنه يقبل وهو صائم، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: أيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه. وسيأتي حكم اللمس المترتب على هذا الخلاف إن شاء الله في أحكام الآية، وما يتعلق بالصوم في بابه، والحديث سيأتي الكلام عليه، وأنه ضعيف.
والنساء: جمع امرأة لا واحد له من لفظه، والمرأة لا جمع له من لفظه،

الصفحة 36