كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

تقديم ذكر مسح الرأس على غسل الرجلين من أجل المحافظة على الترتيب، وقد خالف في ذلك أبو حنيفة -رحمه الله-، وبعض المالكية كما يأتي.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}. تقدم أن لفظ "الذين آمنوا"، وإن كان بلفظ الجمع المذكر لكن يدخل فيه الإناث؛ إما أن ذلك على سبيل التغليب، أو على رأي من يرى أنهن يتناولهن خطاب الشرع بهذا اللفظ، إما بقرينة عند من لا يرى دخولهن إلا بها، أو بدونها عند من يقول بتناول اللفظ لهن شرعًا، وهو خلاف عند الأصوليين معروف. ويستدل للدخول بقوله سبحانه: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}، {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}، {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}، ونحو ذلك، وله نظائر في السنة. وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} تقدم أن قوله "إذا قمتم" أي: أردتم القيام، أو إذا قصدتم الصلاة؛ لأن التوجه إلى الشيء، والقيام إليه قصد له على طريق ذكر الملزوم وإرادة اللازم؛ لأن قصد الصلاة من لوازم القيام لها. وفي ذلك أقوال:
القول الأول: قال الجمهور: إن هذا عام في سائر الحالات. ولكن المراد به الخصوص على تقدير الحال المحذوفة، وهي: وأنتم محدثون، والدليل على هذا الحذف أمران:
الأمر الأول: اشتراط الحدث في التيمم كما سيأتي في قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، وقد شرط في هذا البدل الحدث كما سيأتي، فاقتضى ذلك اشتراط الحدث في المبدل منه، وإلا لم يكن بدلًا؛ لأن البدل لا يخالف المبدل منه في الشروط، والأسباب.
الأمر الثاني: أن السنة صريحة في أن الوضوء إنما يجب للصلاة مع الحدث، فهو سببه الموجب له كحديث "صلاته يوم الفتح الصلوات بوضوء واحد" وكذا "صلى يوم الخندق العصر والمغرب بوضوء واحد"، كما هو ثابت في صحيح مسلم من حديث بريدة: "أنه صلى الصلوات بوضوء واحدٍ يوم الفتح"، وحديث سويد بن النعمان: "أنه صلى العصر والمغرب بوضوء واحد بالصّهباء من أرض خيبر"، وهو متفق عليه. وحديث أنسٍ: "أنه كان يتوضأ لكل صلاةٍ"، فالراوي قال لأنس: كيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: "كنا نتوضأ وضوءًا واحدًا". أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، وأن الصحابة كانوا

الصفحة 39