كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)
على خلاف ذلك، وحديث أبي هريرة: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" وهو حديث صحيح فهو سببه الموجب له، وقد حكى غير واحدٍ من المفسِّرين الإجماع على أن وجوب الوضوء على المحدث، دون غيره.
وقال بعضهم: المحذوف المقدر هنا شرط والتقدير: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا إلخ إن كنتم محدثين، لمناسبته ما بعده وهو: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا}.
القول الثاني: قال بعضهم: "إذا قمتم إلى الصلاة" باقٍ على عمومه، ولكن اختلفوا في ذلك على أقوال أيضًا:
أولًا: منهم من قال: إنَّه باقٍ على عمومه؛ لكنه محمول على الندب. فيشمل سائر حالات القائم، وسائر الصلاة، فيندب لكل قائم إليها أن يتوضأ. ويستدلون بحديث أنس السابق، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك كان طلبًا للفضل كما كان يفعله ابن عمر، وعلي، وهو مروي عن الخلفاء. وسيأتي عن علي: "أنه توضأ وضوءًا خفيفًا وقال: هذا وضوء من لم يحدث"، ويروى عن ابن عمر: وضوء على وضوء نور. على نور وقد رجّح هذا القول إمام المفسرين بلا مدافعة محمَّد بن جرير الطبري -رحمه الله-.
قال مُقيّده -عفا الله عنه-: وحينئذ يكون وجوب الوضوء على المحدث مأخوذًا من السنة، ويؤيد هذا اتفاقهم على أن الوضوء كان مفروضًا قبل نزول الآية فهو واجب لأن الصلاة فرضت قبلها، فهو واجب على المحدث عند القيام إلى الصلاة، وإن اختلفوا هل وجوبه بالحدث، أو بالقيام إلى الصلاة، أو مجموع الأمرين، والصحيح: أن الوجوب بالقيام إلى الصلاة بشرط الحدث فالحدث موجب.
ثانيًا: وقال آخرون: إنه كان واجبًا لكل صلاة فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث، فكان هذا في أول الأمر، ثم نسخ. وربما استدلوا بحديث رواه أحمد، وأبو داود، وابن خزيمة، وابن حبّان، والحاكم، والبيهقي عن عبد الله بن حنظلة الغسيل: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالوضوء لكل صلاة، طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث"، ولا يتم الاستدلال به على أنه كان واجبًا لما تقدم عن أنس وسويد وغيرهما، كقصة الجمع يوم الخندق، ولأن فيه دعوى نسخ القرآن بالسنة.
الصفحة 40
1920