كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

قلت: ويحتمل أن الآية دلت على وجوبه فخصصت السنة منه في كان على طهر، فدلت الأحاديث على عدم وجوبه عليه، وبقي في حق المحدث، ويكون استِحْبابُه مع الطهارة مأخوذًا من السنة أيضًا.
ثالثًا: وقال آخرون: إنه على عمومه لكنه على الندب في حق المتطهر والوجوب في حق المحدث، قال الألوسي: (استبعد؛ لإجماعهم على أن الوجوب مستفاد من الآية، مع الاحتياج إلى التخصيص بغير المحدثين من غير دليل) اهـ.
القول الثالث: وقال آخرون: إن المراد بالآية القيام من النوم فقط، وهو مروي عن مالك رواه عن زيد بن أسلم، وهو مروي أيضًا عن السدي، وبنوا عليه أن في الآية تقديمًا، وتأخيرًا، والتقدير عندهم: "إذا قمتم إلى الصلاة أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فاغسلوا وجوهكم، وإن كنتم جنبًا فاطهروا، وإن كنتم مرضى" إلخ.
القول الرابع: وقال آخرون: إن هذه الآية نزلت رخصة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ورفعًا لما كان يفعله من الوضوء لكل شيء يريده، كما روي في حديث ابن حنظلة الغسيل، وهذا عندي أضعف الأقوال.
القول الخامس: وقال آخرون: الآية عامة، وهي على عمومها، والوضوء واجب عند القيام لكل صلاة، ولو كان طاهرًا، وهو مروي عن داود الظاهري، ولكنه من الضعف بمكان لمصادمته للأحاديث "الصحيحة" ويعترض عليه بقول بعضهم: إن الصيغة لا تقتضي التكرار، فلهذا قال بعضهم: إن هذه الآية بمنزلة المجمل الذي لا يتم الاحتجاج به إلا بعد بيان المراد منه.
قال مُقَيِّده -عفا الله عنه-: وذلك نظرًا إلى احتمال هذه الوجوه كلها، ولكن يشكل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله"، فإن ظاهره أن الوضوء واجب بهذه الآية التي أحال عليها - صلى الله عليه وسلم -، وأن ظاهرها مراد بدون التوقف على البيان، وتقدير المحذوف في الآية.
قال أبو بكر بن الجصاص الحنفي بعد ذكره للأحاديث التي تدل على عدم وجوب الوضوء لكل صلاة: (فثبت بما قدمنا أن قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}؛ غير موجب للوضوء لكل صلاةٍ، وغير مستعملٍ على حقيقته، وأن فيه محذوفًا تعلق به إيجاب الطهارة، وأنه بمنزلة المجمل المفتقر إلى البيان، لا

الصفحة 41