كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

يصح الاحتجاج به بعمومه؛ إلاَّ فيما قام الدليل على مراده) اهـ.
وتقدم حكاية إجماعهم على أن الوجوب مستفاد منها، أما كون فرضه أولًا بها فلا، لأنه تقدم أنه كان مفروضًا بالسنة أو أنها أفادت فرضه بالقرآن.
قال مقيده -عفا الله عنه-: الراجح عندي والله أعلم أنها من العام الذي أريد به الخصوص، أو أنها دلت على الوجوب، وخصصت السنة من لم يكن محدثًا للصلاة؛ والقول بأن الأمر فيها للندب، والسنة الثابتة قبلها، وبعدها دليل على وجوب الوضوء على المحدث وجيه.
وقوله: "إذا قمتم إلى الصلاة" استدل به من قال بوجوب النية في الوضوء وهم الجمهور: مالك، والشافعي، وأحمد، ومن أدلتهم عموم قوله: (إنما الأعمال بالنيات)، قال البخاري: دخل فيه الإيمان، والوضوء إلى أن قال: (ولكن جهاد ونية)، ولأن الوضوء عبادة مستقلة، وقد صحت الأحاديث كما سيأتي بأنه يكفر الخطايا كحديث أبي هريرة: "فإذا غسل يديه خرجت الخطايا" إلخ.
ووجه الاستدلال من الآية أن قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}، أي: وقصدتم الصلاة فاغسلوا، دليل على أن الغسل المذكور لقصد الصلاة. وقد تقدم أن المراد إذا أردتم القيام، والإرادة هي النية، فدلت الآية على أنه غسل مراد به الصلاة، وإن كان موجبه الحدث، فإرادتها هي نيتها فوجب عند الغسل لها. قال ابن العربي في تحقيق ذلك: (وخالف في ذلك أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- معتمدًا على أنه وسيلة كغسل النجاسة، فلا يفتقر إلى النية). اهـ. وقد تقدم أن الأحاديث دلت على أنه قربة مستقلة، وهي غير معقولة المعنى فتتعين لها النية، لأن تخصيص هذه الأعضاء بالغسل، دون سائر البدن لا تتعقل علته، فدل ذلك على أنه تعبدي.
وقد جمعت هذه الآية الكريمة أركان الوضوء المتفق عليها غسلًا ومسحًا، وهي الوجه واليدان إلى المرفقين، والرأس، والرجلان كما بيّنت أسباب الحدث المتفق عليها في الطهارة الصغرى، وسبب الطهارة الكبرى، وبدل الطهارة بنوعيها عند تعذرها بفقد الماء، أو العجز عن استعماله، كما ستراه إن شاء الله تعالى. وإليك بيان ذلك:

الصفحة 42