كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)
أولًا: فقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} تقدم الكلام على الوجه وحدّه وأنه مشتق من المواجهة، وهي المقابلة وأن الفاء هنا واقعة في جواب الشرط. واختلف العلماء في كونها مفيدة للترتيب أو لا، فالصحيح في مذهب مالك، وهو قول الشافعي أنّها تفيد الترتيب وذلك هو الأصل في العطف بها، وبنوا عليه القول بوجوب الترتيب، بين أعضاء الوضوء؛ إذ الأصل أنها تدل على التعقيب والاتصال، كما قال ابن مالك -رحمه الله تعالى- في ألفيته:
والفاء للترتيب باتصال ... وثم للترتيب بانفصال
قالوا: وهي هنا كذلك رتبت غسل الوجه على إرادة القيام إلى الصلاة، فاقتضى ذلك أن يكون ما بعده مرتبًا عليه، وعورض بأن محل دلالتها على الترتيب في الجواب إذا كان الجواب شيئًا واحدًا، وأما إذا كان مجموع أشياء فالمطلوب حصول الكل كما هنا، فلا تدل حينئذٍ على الترتيب، وأجيب بأنه وإن كان مجموع أشياء، فإن الترتيب مستفاد من الأول اتفاقًا، والمعطوف عليه بتقدير إعادة الفاء فيحصل المراد بذلك. وهذا على قول الجمهور، وهو الصحيح في أن الواو لا تفيد الترتيب، وأما على رأي بعض الكوفيين القائلين إن الواو تفيد الترتيب، فلا إشكال لكنه مذهب مرجوح. وذهب الإِمام أبو حنيفة -وهو قول لبعض المالكية- إلى أن الترتيب غير واجب، وأجابوا عن قول الجمهور في الفاء بما تقدم، والصحيح وجوبه لثبوت السنة الصحيحة به. فالدليل على وجوبه أمران:
أحدهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ دائمًا، ويعلم الصحابة الوضوء، وقد استفاض النقل عنه بكيفية الوضوء التي لا يشك، ولا يرتاب من وقف على ما ورد فيها في ثبوتها، ولم ينقل عنه إلَّا الترتيب، ولو كان التنكيس جائزًا لفعله ولو مرة ليبين الجواز كما كان يفعل في مثله. وحيث لم يثبت ذلك عنه ولا عن أحد من أصحابه كان عدم الثبوت أقوى دليلًا على عدم جوازه لمخالفته لفعله، لاسيما عند من يرى أن فعله للوضوء مبين للإجمال فيه.
ثانيًا: إن مراعاة النظم القرآني تقتضي الترتيب، لأن السنة دلت على أن الإنسان ينبغي أن يراعي ترتيبه. ففي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ثم قال: "نبدأ بما بدأ الله به" وفي
الصفحة 43
1920