كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)
رواية أنه قال: "إِبدؤوا" بصيغة الأمر، والحديث وإن كان في السعي لكنه في الجملة يدل على مراعاة نظم القرآن، وأن ذلك الذي ينبغي للمسلم، والعبرة بعموم اللفظ عند الأكثرين، وهذا بيِّن إن شاء الله تعالى.
فمجرد دعوى عدم إفادة الفاء للترتيب لا تصلح لمعارضة ما ذكر، والله أعلم. وتقدم الكلام على الغسل، والمراد منه هنا إسالة الماء على المغسول. واشترط مالك إمرار اليد على المغسول مع الماء، أو بعده، وهل هو واجب مستقل، أو هو واجب ليتحقق وصول الماء إلى البدن المغسول؟ فيه وجهان. ومما هو مجمل في الآية الكريمة، وبيّنته السنة عدد الغسلات، فبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الكمال في ذلك ثلاث تستوعب كل واحدة منها جميع الفرض من المغسول، وأن الواحدة تجزئ، واثنتين تجزئان كذلك، وأن الإسراف منهي عنه، سواء كان في صب الماء، أو في زيادة الغرفات، كما بينت السنة البدء باليمين في اليدين، وفي الرجلين. وتقدم الكلام على تحديد الوجه، وأنه العضو المعروف. قال بعض العلماء: فيه أربع طرق للعلم: الأذنان، والعينان؛ لأن بها يحصل العلم؛ والإِدراك للقلب كما قال بشار بن برد:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم ... الأذن كالعين تُوْفي القلب ما كانا
قلت: والخامس من طرق العلم في الوجه: الأنف لأنه حاسة الشم فيؤدي إلى القلب كالسمع. وقد اتفقوا على وجوب تعميم الوجه بحده السابق بيانه بالماء، واختلفوا في سبعة أشياء مما يتعلق بالوجه: وهي داخل الفم، وباطن الأنف، وباطن العينين، والبياض الذي بين الأذن، والعذار، وما أقبل من الأذنين والمسترخي من شعر اللحية، وغسل البشرة تحت شعر اللحية، والعارض. فأما داخل الفم، وباطن الأنف: فذهب الإمام أحمد في إحدى الروايات عنه إلى أن غسلهما واجب. وهو قول عطاء، والزهري، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، وإسحاق، وابن المبارك، قالوا: من ترك المضمضة، والاستنشاق أعاد الصلاة لأن الأمر بالمضمضة، والاستنشاق ثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكونا داخلين في غسل الوجه المأمور به؛ فقد ثبت النص بالأمر بهما، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الصفحة 44
1920