كتاب شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (اسم الجزء: 1)

والرواية الثانية عن أحمد: وجوبهما في الغسل من الجنابة، دون الوضوء من الحدث الأصغر، وهو قول الثوري، وأبي حنيفة، وأهل الرأي. والرواية الثالثة: وجوب الاستنشاق وحده، وهو قول ابن المنذر، وأبي ثور، قالوا: يعيد الصلاة من ترك الاستنشاق، وروي نحوه عن مجاهد. والجمهور على أن الأمر بهما للندب لأنهما ليسا داخلين في مسمى الوجه المأمور بغسله في الآية، وما عدا المأمور به في الآية مما وردت به السنة يحمل على الندب، بدليل حديث الأعرابي المسيء صلاته حيث قال له: (توضأ كما أمرك الله) فأحاله على الآية الكريمة، فلو لم تكن مستوعبة للواجب في الوضوء لما صحت إحالته عليها، ولأنه عدّهما من خصال الفطرة، وهي السنة.
وأما باطن العينين: فالعلماء سلفًا، وخلفًا على عدم وجوب غسلهما؛ إلَّا ما روي عن ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- أنهما كانا يدخلان الماء في مؤقيهما. وقد قيل إن ذلك يسبّب العمى اهـ.
قال ابن العربي: (إنه لولا الاتفاق على عدم الوجوب ومشقة ذلك لكان الواجب غسلهما) اهـ. ولم يصرح فيما أعلم أحد بوجوب ذلك لا عنهما ولا عن غيرهما، فالظاهر أنه شيء كانا يريانه كما كان أبو هريرة يتوضأ إلى الإبط. وقد ذكر الألوسي عن أنس، وأم سلمة، وعمَّار، ومجاهد، وابن جبير: أنهم أوجبوا غسلهما، وأنهما من الوجه، والله أعلم بصحة ذلك؛ لأنه لم يذكر له سندًا، ولا من أين أخذه.
وأما ما أقبل من الأذنين: فقد تقدم عن الزهري القول بأنه من الوجه، والجمهور على خلاف ذلك، وأنهما يمسحان؛ إما مع الرأس، وإما مسحًا مستقلًا، وظاهرهما وباطنهما في ذلك سواء.
وأما البياض الذي بين الأذن، والعذار: فقد اختلفوا فيه: فروى ابن وهب عن مالك أنه ليس من الوجه، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بما رواه ابن وهب عن مالك، وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو من الوجه، وغسله واجب، ونحوه قول الشافعي، وأحمد. قلت: وهو الراجح إن شاء الله، واختار ابن العربي، والقاضي عبد الوهاب من المالكية أنه يستحب غسله ولا يجب، والمشهور عند المالكية الوجوب كالجمهور.

الصفحة 45